للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تُعرّف المجتمع بالنافع، وتقدم مشروعات لمعالجة الإشكال الناجم عن سوء الفهم، هكذا يفترض في صحافة أمة تحاول النهوض بعد مرحلة ضعف خطيرة.

ولكن بالرجوع إلى أشهر مجلات تلك المرحلة أو صحفها نجد أنها رغم أهميتها وخطورة دورها تاهت عن الواجب التنويري والتثقيفي الذي كان يمكن أن تقدمه للأمة، وأنها بدل أن تعالج المشكلات فاقمت منها، وأن ذلك ازداد حدّة -ولا غرابة- مع ما حصل من الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين، فانساق الكثير من صحف ذلك الزمان مع رغبات المستعمر وتنفيذ مشروعاته، ثم ازداد الأمر سوءًا مع بروز التيارات الفكرية المتغربة والأحزاب العلمانية، ولكن ضرورات البحث تجعلني أقف مع بداية الإشكال بذكر النماذج الموضحة له، وآثارها حول "الانحراف بالعلوم العصرية بدل الاستفادة منها" مع الإلماح لما جاء بعدها مواصلًا المسار نفسه، فنحلل هذا الموقف ونكشف القضية المهمة في هذا المبحث بالذات، وهي أن مشكلة الانحراف بالعلم كان يمكن أن تبقى محصورة في نطاق النخبة وتعالج بصورة أيسر، إلا أن جزءًا من صحافة العصر عممت المشكلة، وكونت جمهورًا ورأيًا عامًا، كان له آثاره السلبية على مجريات الأمور فيما بعد.

[ظروف نشأة الصحافة وأثر ذلك على الانحراف بمسيرة العلم الحديث]

من بين أشهر النماذج الصحفية لتلك المرحلة: "المقتطف" و"الجامعة" و"الهلال" بما تمثله من تركيز على الجوانب الفكرية والعلمية والأدبية الحديثة مما هو شائع آنذاك في أوروبا، وهنا يظهر سؤال: ما السبب في أن أغلب صحف تلك المرحلة بإشراف النصارى ولاسيّما الشوام؟ وما الذي أعطاها القدرة للحديث عن كثير من الأمور -من بينها العلوم العصرية من مناهج ومعارف ونظريات- وهي في غير مقدور أهل تلك المرحلة؟ إن فهْم هذه الأمور يساعد على فهم أثر الصحافة في نشر تصور معين عن "العلوم العصرية" أسهم في تعكير الجوّ الثقافي، وفتح المجال لثغرات خطيرة نعاني منها إلى اليوم.

أما حول إشراف نصارى الشام على الصحافة، فالافتراض العام أن الإرساليات التي ركزت العمل في بلاد الشام نجحت في صناعة جيل يتولى إدارة الصحافة فيما بعد، فإن تلك الإرساليات التنصيرية كانت تعي أهمية "المدرسة"

<<  <  ج: ص:  >  >>