للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"الصحيفة"، وكان من بين أول المتأثرين بها "بطرس البستاني" بعد أن ترك منصبه ليعتنق مذهب إحدى المدارس النصرانية (١)، فاعتنى بفتح أول مدرسة تقدم إلى جانب العلوم العربية العلوم العصرية، وأتبع ذلك بفتح أول صحيفة أهلية، وتوالت على يده صحف أخرى (٢)، وما كان ذلك سيتم بسهولة لولا الدعم المعنوي والمادي والثقافي الذي سيتلقاه من تلك الإرساليات، ومن المعلوم أن رواد الصحافة فيما بعد كـ"الأهرام" و"المقطم" و"المقتطف" و"الهلال" وغيرها كانوا من خريجي معاهد هذه الإرساليات، وهو دعم طبيعي لا يستغرب في ظل ضعف الأمة وغفلتها، بل بتسامح بعض الولاة مع تلك الظاهرة تحت الضغط الأجنبي (٣)، وقد كانت رغبة "إسماعيل" والي مصر أن يحولها قطعة من أوروبا، ولذا فتح الباب للأجانب بشكل كبير، فدخلوا بكل قواهم ووجدت صحافتهم آنذاك دعمًا قويًا (٤). ولم يطل الأمر إذ فُجع المسلمون باحتلال مصر الذي قد سبق شبحه إلى الهند والجزائر، ثم وقع بمصر وتونس، وهكذا دواليك، وبدل أن يكون الدعم بصورة خفية عبر الإرساليات أصبح ظاهرًا عبر الاحتلال المباشر.

ولم تكن هذه الحال مع الصحافة الإسلامية، فهي لا تجد الدعم المادي ولا الثقافي ولا السياسي، وتواجه معاناة في الاستمرار باستثناء القليل منها مثل: "المؤيد" و"المنار" وغيرهما.

إذا عرفنا على الإجمال سبب اشتهار صحافة الشوام النصارى، بما حصلوا عليه من إعداد مكنهم من النشاط ومن دعم مكنهم من مواصلة مشروعهم، فيبقى


(١) انظر: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان ٢/ ٣٧، ترك المارونية واعتنق البروتستانتية، انظر: العرب النصارى، حسين العويدات ص ١٩٣، رواد النهضة الأدبية، اليازجي ص ٩٢.
(٢) انظر: المرجع السابق ١/ ٣٧ - ٣٩، وسيأتي مزيد كلام عن دوره في مبحث علمنة العلم.
(٣) سبق ورود أمثلة مع "محمد علي" وابنه "إبراهيم" وحفيده "إسماعيل".
(٤) انظر نصًا معبرًا عن النفوذ الأجنبي في عصر إسماعيل في كتاب: تاريخ الدولة العثمانية لشكيب أرسلان ص ٣٠٥، بأنه بلغ (مبلغًا لا يكاد يتصوره العقل، فإن إسماعيل وضع نصب عينيه إدخال مصر في المدنية العصرية الأوروبية، وظنّ أن من لوازم هذا المبدأ ترغيب الأوروبيين في السكنى بمصر، وتمييزهم على الأهالي في كل شيء، فانتهى الأمر بان أصبح الأهالي في حكم العبيد للأجانب).

<<  <  ج: ص:  >  >>