يتبدى لأدواتنا الحسية لا أنه هو الواقع ذاته، فالعقل يتدخل في صياغة النظرية وليس آلة تصوير فقط.
ويعني هذا بأنها حقيقة مؤقتة نسبية تواضعنا عليها الآن قصد التيسير، وليست حقيقة مطلقة يمكن القول عنها: إنها خطأ أو صواب تصور الواقع كما هو، وإنما هي حقيقة نسبية تنفعنا الآن في تفسير الظواهر والتحكم بها أو معرفة كيفية التعامل معها، ويتبع ذلك أن المطلوب ليس صحتها وإنما هل هي نافعة لنا أم لا؟ هل تحقق ما نريد بصورة ميسرة أم لا؟ وبحسب قدرتها في نفعنا تكون نظرية جيدة حتى يأتي يوم لا تستطيع تلك النظرية الإجابة عن أسئلة أو تقديم النفع، فتستبدل بنظرية أخرى تقوم بما قصرت فيه الأولى. وقد سهّل هذا التحول المنهجي حول مفهوم النظرية ولادة كثير من النظريات الجديدة ويسر تغيير النظريات القديمة إذا احتيج إلى ذلك، والأهم من ذلك بأن الكثير لم يعد لديهم اعتقاد صارم بأن النظرية العلمية حقيقة أزلية كالحقائق الدينية الموحى بها من السماء، وإنما هي اجتهاد بشري قد يتغير في مستقبل العلم. وتبقى هذه النظرة الجديدة هي المعبرة غالبًا عن روح فلسفة العلوم في القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي.
ب- انقلاب فكري ضدّ الوضعية العلموية وتيارات المعرفة المادية:
مما يلفت النظر في القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي ميلاد مذاهب تنتقص من أثر العلم عندما يتجاوز ميدانه، بل تنتقص المكانة المعطاة للعقل والفكر العقلي في المراحل السابقة. وليس أهلها من الجاهلين بالعلوم الحديثة إن لم يكن بعضهم من مدرسيها, ولكنهم اختلفوا مع تيارات القرن الماضي عندما قامت تلك بإعطاء العلم صلاحيات واسعة وبناء منظومات فكرية من خلال تأويلها للنظريات العلمية وتطبيقها في ميادين مختلفة من حياة البشر. فحدث مع مجموعة كبيرة ومشهورة من تيارات القرن الرابع عشر/ العشرين انقلاب كبير ضد الوضعية والمادية الواقعية واستقطبت جماهير غفيرة وأحدثت رؤية جديدة في علاقة الإنسان بالعلم والعقلانية.
وعند استعراض أهم تيارات الفكر في هذا القرن نجد أن تلك الرؤية الوضعية والمادية عن العلم قد أصبحت ضعيفة وتكاد في مواطن كثيرة أن تكون