للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم أحق الناس بخيراته ويجدون التبرير لأنفسهم في توظيفه لخدمة مبدئهم.

ويمكن أن نطلق على آليتهم في الاستغلال للعلم بآلية "الربط والتعميم"، فمن خلال آلية "الربط" يبحثون عن نقاط مشتركة بين المذهب المادي وبين العلم، يؤكدون من خلالها ارتباطهم المزعوم بالعلم. وأما "التعميم" فيأتي في باب استغلال العلم -الصحيح منه والملتبس- في دعم رؤيتهم المادية بعد التحوير اللازم له، ومقصدهم من التعميم إعطاء صورة علمية مزعومة لماديتهم.

وبما أن البحث يقوم على اختيار نماذج معبرة لصعوبة احتواء الكل، فسيكون النموذج المختار هو المذهب المادي في صورته الماركسية "المادية الجدلية - الديالكتيكية"؛ لأنها كانت آخر الصور شهرة، وحققت نجاحات كبيرة أوصلتها إلى تكوين دولة عُظمى كما يقال، وسأنظر لها من خلال آلية الربط والتعميم مع الأمثلة، وأثر ذلك في الانحراف بالعلم.

أولًا: آلية الربط للحصول على السند العلمي:

تعتمد هذه الآلية على إثبات دعوى لديهم مفادها أنهم أفضل صورة للعلم والعلمية، وأن مولد العلم الحقيقي قد تحقق في المادية الجدلية، بل إنهم أحيانًا يزعمون لأنفسهم أنهم أكثر علمية من العلماء أنفسهم. وعندما يظهر عالم من العلماء لينفي الرؤية المادية ويتجه نحو المثالية أو الدين -وما أكثرهم- ينهالون عليه بالسباب والتحقير وخيانة العلمية، خذ مثلًا ما يقوله أحد الماركسيين الفرنسيين في فترة ماركسيته "روجيه غارودي" حيث قال: "وهذه الفلسفة -أي: المادية- أمينة كل الأمانة لإرشادات العلوم" (١)، وقريبًا من ذلك وصْفُ أحدهم بأنها -أي المادية- "وجهة نظر تقدمية، علمية تجاه العالم. إنها تعطي لوحة صادقة عن العالم فتصوره كما هو في الواقع، وبذلك تكون حليفا أمينا للعلم. . . ." (٢)، وحسب المثل المشهور فقد كاد المريب -الأمين- أن يقول: خذوني؛ فهذا التأكيد منهم على أنهم لا يخرجون قيد أنملة عن إرشادات العلوم هي دعوى يكذبها حالهم في كل مكان ظهروا فيه، ولكنه الحرص والمنافسة على السلاح العصري الجديد وهو العلم ولو بالادعاء.


(١) النظرية المادية في المعرفة، روجيه غارودي ص ٦، ترجمة محمد عيتاني.
(٢) أسس الفلسفة الماركسية، ق. افاناسييف ص ١٠، ترجمة عبد الرزاق الصافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>