للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر جمال الدين الأفغاني]

وبينما الأزهر على هذه الحال، وكذا النشاط الديني والعلمي والفكري في مصر، إذ اقتحمها من زلزل واقعها، وقال مسارها الفكري وأحدث صدمة كبيرة داخل الأزهر، ذاك الشخص هو جمال الدين الأفغاني، ومع أن إقامته في مصر لم تكمل عشر سنوات، إلا أنه كان من بين أهم الشخصيات الإِسلامية أثرًا في تلك المرحلة، وأخطرها على مسيرة الفكر الإِسلامي فيما بعد. وقد كان الشباب الجدد يلتفون حول حسن الطويل لعلّه يخفف عنهم ما ألمّ بهم، ويحقق لهم ما يبحثون عنه، ولكن بعد مجيء الأفغاني تحولوا إليه فأدهشتهم دروسه وفهمه وعقله (١)، فوجدوه ملمًا بالتراث الإِسلامي، وجدوا عنده فوق ما عندهم مع أنهم طلاب الأزهر، وكذا وجدوه مطلعًا على الأفكار الجديدة: يجيد فهمها وتحليلها ونقدها, ولكن الرجل كان أميل إلى الفلسفة، وربما كان لهذا أثره في الأتباع، ولاسيّما الظن بأن طريق التعامل مع الواقع، ومع الأفكار الوافدة ومع التحديث ومع النهضة، هو أن يكون الشخص فيلسوفًا، أما علماء الدين والشريعة، فليسوا على قدرة في ذلك، مع أن تاريخ الإِسلام القريب منهم يثبت أن علمًا في الشريعة وإمامًا في الدين -كابن تيمية- أقدر على فهم العلوم والفلسفات والمناهج وتحليلها ونقدها وقيادة الأمة في المجال العلمي والفكري. والخطير أن الجيل الجديد زهد في الأزهر وفقد الأمل فيه، وكان الأمر أوضح ما يكون وأشدّ مع تلميذه الأشهر وهو الشيخ "محمد عبده".

ومنذ مجيء الأفغاني ثم بروزه مع تلميذه الشيخ محمَّد عبده كرموز تقود الفكر الإِسلامي في كثير من بلدان العالم الإِسلامي، بدأ بعض طلاب العلم يدرسون خارج الأزهر، يأخذون عن الأفغاني وعبده وأمثالهما، مما صرف الأذكياء عن الأزهر، وهذا الشيخ محمَّد رشيد رضا يترك بلاده ويطلب أرض مصر لا ليلتحق بالأزهر، بل ليلتحق بحلقة الأفغاني، وعندما لم يجده تحول إلى تلميذه الشيخ محمَّد عبده (٢)، ومع كل هذه المستجدات فلم يتحرك الأزهر


(١) انظر قول أحدهم (الشيخ محمَّد عبده) في: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ٦٥.
(٢) انظر: السيد رشيد رضا. . . .، شكيب أرسلان ص ١٢٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>