للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في إعادة الاهتمام بالعلوم الدنيوية تعود لعشرات السنين، ومعاهد الأجانب تغزو بلاد المسلمين، وتجتذب أبناءهم، ومع ذلك لم يُحسم الأمر إلى تلك المرحلة، بل دخلنا القرن الرابع عشر -إذْ كانت الفتوى المشهورة سنة (١٣٠٥ هـ) والحال على ما هي عليه. وقد فتح هذا التأخر والتسويف المجال لغيرنا، فملؤوا الفراغ بما يريدون حتى إذا جئنا بعد ذلك احتجنا إلى سنين لإزالة الترسبات الفاسدة المرتبطة بالعلوم العصرية.

بعد أسبوعين من فتوى شيخ الأزهر صدرت الموافقة عليها من مفتي الديار المصرية، فقال: "إن ما أفاده حضرة الأستاذ شيخ الإِسلام موافق لمذهبنا، وما استظهره من أن الخلاف البخاري في علم المنطق يجري في علم الطبيعة أيضًا وجيه، والله -سبحانه وتعالى- أعلم" (١).

نلاحظ ذاك التخوف في الخطاب الأزهري، فهو لم ينجح في تجاوز عقبة الخوف، وهي عقدة ترجع أحيانًا إلى الجهل بالشيء، ويتضح هنا في أن الحكم على هذه العلوم يستند إلى رؤية عرضها الغزالي -رحمه الله- في القرن الخامس، وما جاء بعده مما يعتمد عليه الأزهر هو فتاوى تعتمد أساسًا على مشروع الغزالي الذي ذكره في "إحياء علوم الدين" و"مقاصد الفلاسفة" و"المنقذ من الضلال" وغيرها. ولكن موقف الغزالي ومشروعه يتعلق بما عاصره وعرفه من علوم وأفكار وفلسفات، بينما هي قد تغيرت كثيرًا في القرون الأخيرة، وأصبح للعلوم الطبيعية والرياضية شأن مختلف في حياة الأمم، وتحول جزء كبير منها إلى محيط العلم وتخففت من الأبعاد الفلسفية في التطبيقات المباشرة، وما يتصل بالجانب الأيديولوجي والثقافي المصاحب لتلك العلوم فهو مما يتجاوز الجانب التطبيقي منها، وهنا كان من المهم لمؤسسات المسلمين العلمية الأخذ بزمام المبادرة لمعالجته، فَتُحقق الفرض الكفائي الذي تنص عليه فتاوى علماء تلك المؤسسات بأن يتم تحصيل تلك العلوم تحت إشرافها ويتم تطويرها في محيط ثقافي يختلف عن الأوروبي الذي تطورت فيه.


(١) محمَّد عبده، عباس العقاد ص ١٣٧، وانظر: جهود الأزهر في الرد على التيارات الفكرية المنحرفة. . . .، د. صلاح العادلي ص ٣٦، وهو حنفي المذهب بينما شيخ الأزهر كان شافعيًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>