للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما بعد في نموذج رسمي هو النموذج العلماني، وأعطت الكنيسة بفسادها فرصة ثمينة للملحدين، وفي ذلك يقول أحد الباحثين الغربيين -ليكونت دينوي-: "إن ما أضافه الإنسان إلى الديانة المسيحية، والتفسيرات التي قدمها، والتي ابتدأت منذ القرن الثالث، بالإضافة إلى عدم الاكتراث بالحقائق العلمية؛ كل ذلك قدم للماديين والملحدين أقوى الدلائل المعاضدة في كفاحهم ضد الدين" (١). فموقف الكنيسة الضال قد أعطى الفرصة لمثل هؤلاء الماديين في إفساد التوجه الديني عند الجماهير، أما الماديون فهم ينتظرون مثل هذه الأخطاء من ممثلي الدين ليحولوا ذلك إلى شواهد تساعدهم في تضليل الجماهير.

وسأذكر مثَلين من أخطاء الكنيسة عارضت بهما الموقف العلمي الحديث ووجدها المبغضون للدين فرصة للاستثمار، والمثلان هما: الأول المعجزات التي ملئت بها كتب النصارى ورأى العلماء معارضتها للعلم وعدم اتفاقها مع قوانين الطبيعة، والثاني وهو اعتقاد الكنيسة في مركزية الأرض وأدلتها على ذلك ومعارضة العلماء لهذا الموقف، ونكتفي بالمثلين كصورة للصراع وأثره، وليس المقصود عرض أدلة كل طرف في الموضوع وبيان الأحق منهما؛ وإنما المقصود عرض أثر الكنيسة السيئ في تحويل ذلك الصراع إلى صورة سيئة نفّرت الناس من الدين ورسمت صورة فيما بعد سلبية عن كل دين.

[المثال الأول: باب المعجزات]

طرفان ضلّا في هذا الباب: الكنيسة التي ملئت كُتُبها بأكاذيب كثيرة وجعلتها من المعجزات ليس لنبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام فقط؛ بل لحواريّيه ومن بعدهم من القساوسة والرهبان وغيرهم، وأصبح العالم وكأنه يُشكّل بحسب رغباتهم، وكأنه ليس له نظام قد خلقه الله عليه وسنن يسير وفقها. وفي المقابل هناك التيار المنكر للمعجزات مطلقًا، وهم لفيف من المنكرين للنبوات والأديان بحجة مخالفتها للنظر العقلي ومستجدات العلم، فالعلم كما يزعمون يدل على انتظام الطبيعة واستحالة تغير هذا النظام.

والمقصود هنا توضيح ما حدث من استثمارٍ لضلال الكنيسة من قبل


(١) الجفوة المفتعلة بين العلم والدين، محمد علي يوسف ص ١٥ - ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>