للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبغضي الدين لا النظر في تفاصيل الموضوع؛ لأنه سيأتي لاحقًا.

فأرباب الكنيسة لا يجدون طريقًا للسيطرة على الناس إلا بادعاء المعجزات الخارقة، وعندما يجد الناس حيرة في ما يُعرض عليهم، قيل: هذا من معجزات القديسين، فكثرت المعجزات المكذوبة عند النصارى، وهناك كمّ هائل منها مقارنة بغيرها (١). والأسوأ من ذلك تحويل تلك المعجزات كتدليل على ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام (٢)، مع أن أكثرها عند الفحص والتحليل والنقد لا تثبت عند العقلاء.

وهناك نماذج عجيبة تنفر منها العقول السليمة والفطر الصحيحة, لكن أوروبا في فترة الجهل والظلام والسذاجة العقلية قد قبلت هذه الخرافات والأكاذيب (٣). فهذا الموقف النصراني من المعجزات والتلاعب المتواصل بها قد شوّه صورة المعجزة التي تقع على أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفتح الباب للمخالفين للتكذيب بالمعجزات مطلقًا والدعوة إلى الاكتفاء بما تمدنا به الأفكار العلمية وجعلها الحكم الفصل في الموضوع (٤).

وربما كانت هذه المبالغات في ذكر المعجزات هي مما نفّر العقلاء والعلماء من الكنيسة، ومن ثم الدين عمومًا لما يرون من مهازل يقوم بها ممثلو الدين عندهم. وهذا أحد أشهر علماء الفيزياء المعاصرين "ماكس بلانك" يقول: "يجب على الإنسان -ويقصد هنا النصراني في المقام الأول- أن يقرر بإخلاص التخلي عن المعجزات التي تشكل عائقًا أمام وصول المسيحية إلى إنسان الحضارة المعاصرة؛ بسبب تعارضها مع العلم" (٥)، ويهمنا من كلامه اعترافه بضرر كل تلك


(١) انظر: المعتقدات الدينية لدى الغرب، د. عبد الراضي محمد ص ٣٠١.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٢٩٦، أو ص ٤٤٢.
(٣) انظر: العلمانية، سفر الحوالي ص ١٠٥ - ١١٠.
(٤) تعد عصمة البابوات مدخلًا لمثل هذه الأكاذيب، فكل ما جاء به هو حق وصدق لأنه معصوم، ومن ذلك ما يروونه من معجزات، ورغم الضربات التي لقيتها الكنيسة فما زال بعض باباواتها على أكاذيبهم سائرون، فهذا البابا بيوس التاسع (١٨٤٦ - ١٨٧٨ م) يعلن عصمته، وكأنه نبي مرسل من عند الله. انظر: العلمانية من منظور مختلف، العظمة ص ٣٦.
(٥) المعتقدات الدينية لدى الغرب، د. عبد الراضي ص ٣٠١، وتعبيره بالإنسان هنا نوع من التعالي على غير الأوروبي، فهم يطلقون الإنسان وغالبًا ما يقصدون صورتهم وهي ما =

<<  <  ج: ص:  >  >>