أشكاله؛ إلا أن هناك تراجعًا خطيرًا على مستوى القيم والأخلاق، وهناك أزمة حقيقية وخانقة للبشرية اليوم، يستوي في ذلك الغرب المتقدم مع من قلدهم من الأمم الأخرى واتبعهم، وذلك ملاحظ حتى في طائفة من المسلمين قصّروا في التزام أخلاق الإِسلام وانهمكوا في الدنيا المعاصرة ففشا فيهم ما فشا في الأمم من حولهم من مساوئ الأخلاق.
وعندما وجد الغرب تلك المسافة الشاسعة بينهم وبين الأخلاق بسبب ما حصل من تقدم دنيوي لم يصحبه تقدم خلقي مرتبطًا بالدين الحق، ووجدوا صعوبة التمسك بالأخلاق الفطرية التي فطر الله الخلق عليها، عند ذلك احتالوا على أنفسهم وعلى من اتبعهم بأهمية تجاوز تلك الأخلاق القديمة بحجة أنها قديمة، وحقيقة الدعوى أن النفوس قد أصابتها لوثات مع العلمنة والمادية والإلحاد مما جعلها تنفر من الأخلاق الفطرية التي فطر الله الناس عليها وأتى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لتتميمها وترسيخها، فجاءت هذه الدعوات الهاربة من الأخلاق والقيم لتؤسس لأخلاق وقيم جديدة تناسب بحسب دعواهم العصر، ومع ذلك فكل مراقب ومتابع يجد اتساع الأزمة الخلقية والقيمية، "لقد فشل الغرب نفسه -وهو صانع العلم الحديث- في أن يقيم لنفسه مثل هذا اللقاء بين الطرفين، فكان له العلم، ولكنه فقد الإنسان. وليس هذا الاتهام من عندنا، بل يكفي أن نتتبع الأدب في أوروبا وأمريكا اليوم -والأدب هو المرآة المصورة للإنسان وما يعتمل في نفسه- لنرى ما يحسه الناس هناك في دخائل صدورهم من ملل، وسأم، وضيق وحيرة وضياع. . . ."(١).
[تاريخ الفكر الأخلاقي في الغرب]
يعتمد الفكر التغريبي في الباب الأخلاقي على الفكر الغربي، لذا لابد من وقفة ولو باختصار مع هذا الجانب من الفكر الغربي، فقد مرّ الفكر الأخلاقي في الغرب بمراحل، فهناك في القديم الفكر اليوناني والروماني بفلاسفته ومذاهبه وكان عمدته على العقل، ولكن هذه العقلانية نبتت في بيئة وثنية مليئة بالآلهة المتصارعة التي لا يهمها شأن الإنسان، ثم تعرفت أوروبا على الدين السماوي