للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب واحد، وما أوجدته من مذاهب أو ما أوجدته من مواد مناسبة للاستثمار في تأييد مبادئ فكرية أو سياسية أو غيرها.

[هـ - موقف الكنيسة والعلماء من النظرية]

١ - موقف الكنيسة:

رغم ضعف الكنيسة وأهلها في هذه المرحلة وأهل الفكر الديني، إلا أنها ثارت ثائرتهم مع إعلان داروين لنظريته، لاسيّما مع ما تحويه من مادية صلبة لا مثيل لها ومن إنكار قطعي للقيم والأخلاق؛ فهو لا يجعل فرقًا كبيرًا بين الإنسان والحيوان.

لقد صدمتها النظرية أول الأمر وأعلنت كفر داروين وزندقته (١)، ولكن لم تعد للكنيسة تلك المكانة عند الناس، وضعف قبول رأيها في القضايا اللاهوتية حول الكون والعالم، وربما كان من أسباب ضعف قبول موقفها ما قدمته من تنازلات أمام كل ضربة واجهتها في الماضي، فلا يستغرب أن لا يثق الناس بصمودها هنا، لاسيّما بعد أن توصلت إلى عدم التفسير الحرفي لما ورد في كتابهم المقدس في مثل هذه "الموضوعات" وقد سبق مثل هذا الموقف مع النظرية الفلكية الجديدة (٢).

ولكن الجانب الذي ناظر حوله الاتجاه المديني بقوة هو جانب الأخلاق، ولم يكونوا لوحدهم في ذلك فقد شاركهم جمهور غفير من العلماء المعارضين لنظرية داروين والمفكرين والفلاسفة؛ لأن الفكر الفلسفي العلماني غير المادي والفكر الديني اللاهوتي يتفقان في الجملة على إنسانية الإنسان، وكان الفكر العلماني من فترة التنوير وما بعدها يركز على قيمة الإنسان، لكن بعد إعلان نظرية داروين لم يعد الفكر العلماني قادرًا على الاستمرار في تلك الدعوى، فهو يجد بأن العلم الذي ناصره واستثمره يقوده مع أحدث نظرياته إلى إلغاء هذه القيمة للإنسان، وبدأ الفكر العلماني يتناقض مع نفسه فما كان في الأمس من أهم دعاويه يسقط اليوم، فماذا عساه فاعلًا أمام ذلك؟!


(١) انظر: مذاهب فكرية معاصرة، قطب ص ٩٤.
(٢) انظر: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد ص ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>