للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد قام "نيتشه" بالدور المطلوب، فأيد نظرية داروين ورأى بأن ما كان يحافظ عليه الفكر العلماني من قيمة للإنسان لا حقيقة لها، ولابد من القضاء عليها، وتجاوز الزيف العلماني حول تلك الدعوى، ولكن هناك آخرون عزّ عليهم أن يهوي الإنسان إلى هذه الدركة السحيقة.

إن حقيقة التأثر بالدارونية وصورة تلك الأجواء تُظهر لنا بعض المعاني خلف مقولات فلسفية اشتهرت في القرن الرابع عشر/ العشرين مثل مقولة "نيتشه" عن "موت الإله"، وكأننا نرجع من جديد إلى عهد الديانات الوثنية الإغريقية التي تعرف تصارع الآلهة وموتهم، وكأنه يضع الحد النهائي للدين في الفكر العلماني، وهناك مقولة أخرى تعلن "موت الإنسان" أيضًا وهي للفيلسوف البنيوي الفرنسي "ميشيل فوكو" الذي أعلن موت الإنسان الذي بشرت به الحضارة الحديثة (١)، فقد قضت تلك النظريات على أهم معاني الدين القائم على الإيمان بالله، فما بقي من حاجة للإيمان الديني، وقفت على قيمة الإنسان وخلق الله سبحانه له في أحسن تقويم ليهووا به إلى أسفل سافلين، فما بقي من حاجة للاعتراف بقيمة الإنسان، والعجيب أن كل ذلك يُربط بالعلم وآخر نظرياته. وربما كان هذا الانحدار بالإنسان بعد القضاء على الدين من أهم الأسباب في ولادة مذاهب دينية ومثالية وصوفية ووجودية في القرن الرابع عشر/ العشرين مع ما حظيت به من قبول وانتشار في المجتمع الغربي.

٢ - موقف العلماء:

أيضًا كان للعلماء مواقفهم المتباينة من نظريه داروين التي ترجع إلى ثلاثة مواقف (٢): أولها موقف المؤيِّد لداروين، فمن الطبيعي أن يكون لكل عالم مشهور أتباع ومؤيدون، وثانيها موقف الرافض لنظريته، وبحجج ونقاش علمي، ويظهر أنهم الأضعف في مرحلة شهرة داروين، وإن كان قد تحقق انتصارهم بعد ذلك بسنين.

وكان هناك موقف ثالث يتكرر مع مولد كل نظرية علمية تتعارض مع


(١) انظر: موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر. . . .، د. عبد الرزاق عيد ص ١٥ وما بعدها ص ١٢٨.
(٢) انظر: مذاهب فكرية معاصرة، قطب ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>