-وهي نفسها التي يزعم الماديون أنها أعطتهم إياه- وسلمته للمثاليين وأهل الدين، حيث حدث انقلاب هائل بين العلماء تمثل في ترك الإلحاد والإقرار على الأقل بوجود الرب سبحانه. صدم الماديون بهذه المستجدات، عندها قام "لينين" ورفاقه بمهمة التصدي لها والدفاع عن الماركسية وذلك يتطلب منه إعطاء إجابات علمية جديدة في عملية تعميم -استغلال- جديدة (١). ومع ذلك فالعلم يتطور بسرعة ويظهر من العلماء في كل مرحلة العشرات، وحدث لهم في القرن الرابع عشر/العشرين الميلادي ميول كبيرة نحو ترك الإلحاد والاعتراف بالخالق سبحانه، وأهم ما دعاهم لذلك؛ العلوم ذاتها التي بين أيديهم وذلك بشهاداتهم أنفسهم التي رأينا جزءًا منها في الفصل الأول، وهو تطور لم يستطع التيار المادي مجاراته على مستوى التنظير الفكري أو قل الاستغلال الفكري، كالذي رأيناه مع ماديي القرن الثالث عشر/ التاسع عشر أو السنوات الأولى من القرن الرابع عشر/ العشرين، ورغم أنهم كانوا سببًا في انحراف العلم وتعكير صفوه؛ إلا أننا نرى العلم ينتقم منهم في السنين الأخيرة، ويندر أن نسمع ماديًا دون أن يكون قد خفف من ماديته، وأغلب من بقي منهم قد ترك الاستغلال للعلم بعد الفشل في إقناع الجماهير، ومن ثمّ عادوا للمجال الفكري والفلسفي؛ لأنهم يجدونه أرضًا تحتمل التعمية والتلبيس.
ثالثًا: نماذج من انحرافات الاتجاه المادي بالعلم "الفيزياء - الأحياء - الرياضيات":
[١ - مفهوم القانون العلمي في الفيزياء]
نبدأ بنموذج من الفيزياء الحديثة، وهو نموذج يوضح بجلاء كيف يتم الانحراف بالعلم والاستغلال الخبيث له، مع أنهم يظهرون للناظر بأن عملهم ما هو إلا صورة للعلم التي قبلها كل العقلاء. وسبب الاعتماد على الفيزياء أنها أهم العلوم نجاحًا واكتمالًا في العلوم الطبيعية؛ فقد نجح جاليليو ثم نيوتن في إعطاء صورة بارعة للفيزياء فتنت أغلب المطلعين عليها، مما جعلها العلم المناسب للاستثمار أو الاستغلال، وهذا لينين أحد أبرز رموز المادية يقول:
(١) انظر: المرجع السابق ص ٥٥٥، والحقيقة أن ما جاؤوا به ليس إجابات جديدة بقدر ما هي -بحسب تعبير الدكتور عماد الدين خليل- عملية مطّ للمفاهيم المادية الماركسية لكي يفسروا القرن العشرين وربما ما بعده عليها. انظر: العلم في مواجهة المادية ص ٥٨ - ٥٩.