للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطب والعمران والمدنية من بناء وطرق ومستشفيات وزراعة وصناعة وغيرها، وفي الجانب الثاني مثل الإدارة والصناعة الحربية، وما تعتمد عليه من معارف رياضية وفيزيائية وكيمائية، فكان المتسرب إلى الأذهان أن هذه العلوم هي من الدنيا المذمومة، فتُهمل عند الكثير، ولا يُحرص في المؤسسات العلمية على تحصيلها, ولا يدفع بعض الناس لمعرفتها وتعلمها، وقد كانت هذه من المفاهيم الخاطئة التي تسربت من خلال انتشار التصوف والجهل وإهمال علوم الدين بصورتها النقية كما هي عليه في عهد السلف الصالح (١).

أي: أنه يمكن التسليم مع نص الجبرتي بأن السبب الظاهر حول ضعف الأزهر في تحقيق علوم الكفايات هو ضعف الدعم المادي، وما يُضاف إليه هنا هو السبب الخفي وهو عميق الجذور في المؤسسات العلمية المتأخرة، وهو تسرب مفاهيم غير صحيحة إلى روح تلك المؤسسات أسهمت فيما بعد، ولو بشكل خفي وغير مباشر في ضعفنا في المجالين الديني والدنيوي.

الاحتلال الفرنسي ثم ولاية محمَّد علي وآثار ذلك على الأزهر:

وقع الدرس الأقسى للأزهر -كنموذج لمؤسسة علمية- بعد خمسين سنة بالاحتلال الفرنسي سنة (١٢١٢ هـ -١٨٩٨ م)، فقد أُدخل الأزهر بالقوة في إدارات سلطة الاحتلال، وكان الديوان الذي أقامه بونابرت مُشكّلًا من قيادات المجتمع وأهمهم علماء الأزهر، وكانوا يحضرون الاجتماعات واتصلوا في الوقت نفسه بعلماء الحملة، منهم حسن العطار الذي تولى مشيخة الأزهر فيما بعد ومنهم المؤرخ الجبرتي الذي جُعل مفتيًا للمذهب الحنفي فيما بعد، فضلًا عن علماء آخرين وإن لم يُذكر احتكاكهم المباشر بعلماء الحملة الفرنسية. ولا شك أن الأزهر قام بأعمال بطولية في مواجهة الاحتلال بحسب استطاعته، فهو في النهاية مؤسسة غير عسكرية، ومع ذلك قاد المقاومة والجهاد مما عرّضه لأكثر من مرّة للضرب بالمدافع والاقتحام من قبل جيوش المحتل (٢).


(١) انظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين. . .، علي الزهراني ص ٦٢٩ - ٦٥١ مع بقية الباب الثاني.
(٢) انظر: الكتاب المميز ودخل الخيل الأزهر، محمَّد جلال كشك، ففيه وصف لمقاومة الأزهر ودوره البطولي.

<<  <  ج: ص:  >  >>