٤ - إذا كان من مذهب أهل السنة عدم وجود التعارض فإنهم أيضًا لا ينكرون الدليل العقلي أو الدليل الحسي، ولا يدّعون بطلانهما، فهما من الأدلة الصحيحة المعتبرة، ولكنهما ليسا على هيئة واحدة، فالدليل العقلي منه ما هو حق ومنه ما هو باطل ومثله الحسي، وكما أنهم يعلمون أن الدليل النقلي قد يكون فيه الضعيف والموضوع فلا يحتجون به، فكذا الحال مع الأدلة العقلية والحسية؛ لذا لا يرفضون ما صح منه أو ما هو مفيد، بل هو من الحق الذي لا يكذب به أحد.
٥ - أن أهل السنة عند مناقشة دعاوى التعارض فليس لوجود شك عندهم أو حيرة أو تلبيس، فهم واثقون في الوحي متمسكون به مصدقون بما فيه، ولكن المناقشة فقط لدفع تلك الدعاوى الكاذبة أو الملتبسة حتى لا يتخذها أعداء الأمة وسيلة لتشكيك الناس في دينهم أو حرمان آخرين من الإقبال على الإسلام (١).
[مناقشة الدعوى]
وستكون مناقشة الدعوى من خلال خمسة مداخل:
أولًا: أهمية رفع التعميم والإجمال:
نجد عادة مثل هذا الادعاء: هناك تعارض بين الدين والعلم، فلابد أن نفهم ماذا يُقصد بالدين وماذا يقصد بالعلم، ولهذا نجد الاحتراز عند شيخ الإسلام في التعارض القديم، فينص أنه لا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، ومثله نقول إنه لا تعارض بين الدين الصحيح والعلم الصريح؛ لأن الدين هنا أول ما أطلق كان يراد به النصرانية أساسًا واليهودية تبعًا لظهور المشكلة في مجتمع نصراني في الأساس. فلا يصح اتخاذ دين واحد ذريعة للتعميم إلى كل دين إلا إذا ثبت أن كل الأديان فيها هذه المعارضة، وهذا من باب التنزل مع المخالف.
(١) انظر حول هذا الباب: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ولاسيّما الجزء الأول والثاني، وانظر: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، الجزء الثالث والرابع، ومن الدراسات المعاصرة: موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د. عبد الرحمن المحمود ٢/ ٨١٨، وانظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، د. عثمان حسن ١/ ٣٥١، وانظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة .. ، د. سليمان الغصن ١/ ٢٥٩.