للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصفين التاليين: "التجريب" و"الترويض"" (١)، "ولمّا أصبحت المعرفة العلمية قائمة على التجريب والترويض، لم يعد يَعنيها من الموضوعات التي تنظر فيها أمر كثافتها الوجودية، وإنما مجرد لطافتها "الإجرائية"، بحيث يكون نصيب كل موضوع من "العلمية" على قدر ما يقبل من أساليب الإجراء. . . ." (٢)، وقد تولّد عن هذه المنهجية الجديدة بأبعادها العلمانية آثار خطيرة ينبغي الحذر منها، وكما يقول عبد الرحمن: "ينبغي التوسل في تشييد البناءات النظرية بمقولات وبنيات متولدة من التحقق بالعمل ومستمدة من الاشتغال الشرعي؛ فقد ساد التصور الأجنبي للعلم بيننا، حتى أصبحنا لا ندرك من إمكاناته إلا ما توصل أهل الغرب إلى تحقيقه، ولا نتصور من آفاقه إلا ما خطوه، وصرنا نعتقد أن العلم واحد لا تعدد في طرائقه، وأنه ضروري لا جواز في مراحله، وأنه مطلق لا نسبية في نتائجه، وليس هذا كله إلا توهمًا محضًا؛ فالعلم في حقيقته أبواب عدة ومسالك شتى، وما انفتح للغرب من أبوابه وانتهجه من مسائله ليس إلا غيض من فيض؛ وإذا كان قد اختار أن يجرد علمه من قيود العمل وحدود الشرع، وأن يطلق على هذا التجريد أسماء تُوهِم بمشروعية هذا الاختيار مثل "الموضوعية" و"السببية" و"الآلية" و"الإجرائية" و"العلمية" وما أشبه ذلك، فليس هذا السلوك إلا إمكانًا واحدًا تضاهيه إمكانات أخرى كثيرة، على رأسها إمكان اختيار علم يتقيد بالعمل ويتحدد بالشرع" (٣).

[مشكلة الموضوعية]

نجد من بين أبرز ما يُرَكز عليه في المنهج الحديث مفهوم "الموضوعية"، نجدها في مقدمات كتب المناهج والمنطق وفلسفة العلم، وفي مقدمات كتب العلوم العصرية، وقد أصبح المصطلح سائدًا حتى عند الناس العاديين البعيدين عن مجال النشاط الفكري والبحوث العلمية. ولكن الناظر لمدلولاته داخل ميادين الفلسفة والمناهج والعلوم يجده أعقد مما يتصوره الإنسان العادي، وبقدر ضرورته


(١) انظر: المرجع السابق ص ١١٣.
(٢) المرجع السابق ص ١١٤.
(٣) سؤال الأخلاق ص ١٩١، وانظر حول هذا المعنى أيضًا: نسق إسلامي لمناهج البحث العلمي، د. أحمد باشا ص ٦٩ وما بعدها، ضمن كتاب قضايا المنهجية في العلوم الإِسلامية والاجتماعية من إصدار المعهد العالمي للفكر الإِسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>