للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتماع كالدين بالنسبة للجمهور، وتحذيرهم من النظر الذي يعتمد فيه الباحث على مبادئ عقيدته أو دينه، فإن النظرية غير النظر، فالنظرية ترتبط بالعلم بينما النظر يرتبط بأنساق مسبقة، والعقيدة والدين شيء من ذلك. ولكنه بعد عمر طويل اكتشف أزمة العلم وأزمة نظرياته ولاسيّما إذا تعلق الأمر بالدين -سبق ذكر اعترافاتهم حول أزمة العلم- فأصبحت النظرية أداة تشويش (١)، بعد أن كان المؤمل منها أن تكون أداة كشف وتفسير وفهم. وهذا الاعتراف نجده حتى مع من حافظ على موقفه التغريبي، وهذا أحدهم يقول: "ومن البديهي أن يكون للنظريات حظ وافر في علم الاجتماع، كما في سائر العلوم، ولكن كثرتها في الموضوع الواحد مما تعافه النفوس، ويجعل الدرس صعبًا بعيد المنال، وإذا كان لنا رأي خاص نبديه، فهو بتقسيم النظريات إلى علمية وفلسفية" (٢)، مع أن تقسيمه لترتيب كثرتها فقط، وإلا فإن النظرية إذا تعددت في باب واحد كما هو الشأن في كتاب صاحب النص السابق؛ فلا تكون معبرة عن حقيقة بقدر ما هي طرق للتفكير، وطرق التفكير تكثر بتعدد المفكرين، بل إن المفكر الواحد يتغير رأيه في اليوم والليلة، فكيف تُجعل طرق التفكير هي الحقائق ذاتها؛ لأننا نصبح أمام أكثر من حقيقة وهذا ما يهرب منه العلم، إنه لا يريد تضارب الحقائق وإنما يريد الوصول إلى حقيقة واحدة، وهذه هي أزمة علم الاجتماع في ما يتعلق بالدين، بل ربما في بقية فروعه.

[المتغربون وعلاقتهم بالمدارس الاجتماعية العلمانية]

نشأ علم الاجتماع داخل أوروبا في أوضاع مأزومة، وارتبط غالبًا بعلاقة سلبية مع الدين، وقد امتطته بعض التيارات المتطرفة في الإلحاد، ووجّهت العلم نحو إحداث قطيعة مع الدين، وقد سمحت الفراغات الموجودة في العلم مع صورة الدين المعروفة لديهم في إنتاج نظريات حول الدين أو مناهج وقواعد لدراسته ذات شأن نقدي وتدميري للدين، لدرجة أنه أصبح مع أغلب مدارسه يحمل رسالة قلبها النابض هو نقد الدين. ومما ساعدهم على ذلك ما يعرفونه من دين سائد في مجتمعاتهم، وهو دين إما مبدل أو مخترع؛ أي: أنه انحراف بشري بالدين أو ما جمعوه عن الأديان البدائية والوثنية في بيئات معزولة، فإذا كان من


(١) انظر: علماء الاجتماع وموقفهم من الإِسلام، أحمد خضر ص ١١٧ - ١١٨ ..
(٢) نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني، شلحت ص ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>