هذه لا يكون التعارض فيها؛ لأن ما في النصوص يتعلق بغيب لا نعرف حقيقته على وجه التفصيل ككل المغيبات. أو أنها من أمور الشهادة، وما ورد فيها من النصوص أغلبه من الظاهر أو من المشتبه الذي عادة أهل الإيمان رده إلى المحكم، والأصل فيها هو الظاهر منها، إلا أن يدل دليل قطعي على غير الظاهر، عندها يُفسر النص بأقرب معنى يجمع بين بقاء النص مع بيان المعنى المقطوع به.
وهذا يعني أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين منقول صحيح قطعي وشيء من العلوم الحديثة الصحيحة القطعية، والله أعلم.
رابعًا: ملابسات الدعوى التاريخية والأيدلوجية:
يكشف التحليل التاريخي بأن دعوى التعارض بين الدين والعلم تاريخية؛ أي: ترتبط بالتاريخي أكثر من ارتباطها بالحقائق، إنها مشكلة تاريخية ترتبط بأحداث تاريخية من جهة وببعض المذاهب الفكرية دون غيرها من جهة أخرى، ومن بين أوضح ما يكشف ذلك وجود علماء مشهورين يرفضون دعوى التعارض.
أما الجانب التاريخي للدعوى فيرتبط أساسًا بما حدث في أوروبا مع الثورة العلمية، وما دار من صراع كبير بين أنصار أهل العلوم وبين الكنيسة الممثل السيئ للدين داخل أوروبا، ولا تجهل الأمة الإسلامية خطورة ما تحويه الكتب المقدسة بحسب زعمهم من معلومات، فإنه قد وصل إلينا بعضها في بعض كتب التفسير من الإسرائيليات مما جعلها تُمثل إشكالًا جاهد العلماء في رفعه بعد ذلك. فقد كان هناك أمور كونية ورد ذكرها في القرآن الكريم، ومن عادة النفوس تطلعها لمعرفه مثل هذه الغيبيات، وكان أهل الكتاب عندهم الشيء الكثير حولها، فأخذ بها بعض المسلمين وأدخلوها من باب الاستئناس في توضيح ما ورد به النص معتمدين على الأذن النبوي في الحديث عن بني إسرائيل (١). وقد أضافت الكنيسة في الغرب على تلك العجائب تسلطًا على المخالف مع سوء تعامل مع الناس مما جعل العقلاء ينفرون منها ويتبعون ما دلّ عليه العقل والعلم. ولم تظهر مثل هذه الصورة في بلاد المسلمين إلا في فترات الجهل
(١) انظر: مقدمة ابن خلدون ٣/ ١٠٣١ - ١٠٣٢، بتحقيق د. علي وافي.