للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشديدة، وهي فترات لا تطول بفضل الله؛ لوجود العلماء المجددين الذين يجددون أمر الدين، ولذا لم يُعرف أن أحد المشتغلين بالطب أو الحساب أو الفلك أو غيرها قد أنكر عليه أحد شيء من علومه إنما يكون الإنكار على أبواب العقائد الباطلة وهي ليست من العلم.

وأما الجانب الأيدلوجي للدعوى فيرتبط أساسًا بما حدث في أوروبا بعد فصل الدين عن الدولة، وبروز العلمانية التي نشأ معها مذاهب إلحادية من جهة الدين، واشتهرت في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، وهؤلاء لم يكونوا يعترفون بالدين حتى يقولوا بوجود تعارض بينه وبين الدين، ومع ذلك فبسبب حربهم ضد الدين أبرزوا هذه الدعوى معتمدين على ذاكرة الأوروبيين حول الصراع القديم ومبرزين التناقضات التي لم تسلم منها علوم الكنيسة، وبرز ذلك مع اليسار الهيجلي، ولاسيّما "فيورباخ" و"ماركس" أو مع الوضعية من "سيمون" إلى تلميذه "كونت" وغيرهما (١).

فهناك أخطاء تاريخية غربية، وخطأ المتغربين العرب إطلاقها وتعميمها، وهناك مذاهب أيدلوجية غربية، وانحراف المتغربين اتباعها وتقليدها، ويحرص المتغربون على تجاهل الأمرين: "تاريخية المشكلة وأيدلوجيتها" مع أن الانتباه لهما يكشف لنا نسبية المشكلة وارتباطها إما بواقع معين أو بتيار معين.

هذا ولا تعني تاريخية المشكلة عدم وجودها، فإنه كما يقول أحد المشتغلين بفلسفة العلم: "لم تخل فترة من فترات التاريخ البشري من ظهور دعاة التناقض بين الدين والعلم"، ولكن التحليل التاريخي يكشف أن السبب يعود إما إلى أديان باطلة كما أن معسكر العلم بحسب تعبير الباحث السابق لديه: "عدم اكتراث بتوضيح موقفه أحيانًا، أو بتبادل الهجوم في أحيان أخرى، وكأن الدفاع عن العلم يقتضي الهجوم على الدين. وهذا كله موقف مغلوط كما سنرى، والمستقبل يقتضي تجاوزهما تمامًا" (٢)، ولا يرجع الأمر إلى معسكر العلم فقط، بل إلى المذاهب المادية والوضعية التي جعلت خيارها العقدي هو الإلحاد، ولهذا تقف من كل موضوع ديني موقف العداء، ففي البلاد العلمانية التي تتيح


(١) انظر: الفصلين الأول والثاني من الباب الأول.
(٢) إلا العلم يا مولاي، د. أحمد شوقي ص ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>