للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرية الرأي نجدها تحاول تجاهل المتدين مثل ما حدث مع "بيير دوهيم" العالم الفيزيائي المعروف وهو كاثوليكي متدين، فبعد موته لم يكمل طباعة مؤلفه المشهور في تاريخ العلم، وعلل "الكسندر كويري" مؤرخ العلم البارز السبب: في سعي المؤلف إلى التدليل على أن جذور العلم الحديث توجد في إلهيات القرون الوسطى، مما دعى الجهات العلمية ذات النفوذ إلى منع صدوره بشكل خفي (١). ونجد في جزء آخر من هذه البلدان كالاتحاد السوفيتي سابقًا بحسب دستور سنة (١٩٣٦ م) بأنه يحق لكل شخص أن يتكلم أو يكتب ضد الدين كما يشاء أما الدفاع عن الدين فممنوع (٢).

فمثل هذه الأيدلوجيا تؤثر في التوازن والاعتدال في البحث عن الحقيقة وتجعل من دعوى التعارض مسلمة لا رجعة عنها، ويؤثر ذلك في المحتكين بها، وعند التحقيق التاريخي والثقافي يتبدى تاريخيتها وزيفها، ومما يدل على ذلك أنه في دائرة العلوم الحديثة هناك من يرفض مثل هذه الدعوى ويرفض تحويلها إلى نزل مطلق، ولنأخذ أبرز علماء الفيزياء في العصر الحديث "نيوتن" الذي بنت عليه الأيدلوجيا المادية مذهبها في دعوى التعارض، ففي إحدى الدراسات نجد النتيجة الآتية: "وخلافًا لكثير من المفكرين اليوم، لم ير نيوتن تعارضًا بين العلم والدين، وكتب أن الكون لا يمكن أن يعمل دون وجود إله، وأنه لولا الرعاية الربانية المستمرة لتوقف الكون ثم لانهار. . . ." (٣)، ويشدد "على أن الحكمة ونفاذ البصيرة لا توجدان في كتاب الطبيعة فحسب، بل في الكتب المقدسة أيضًا. . . ."، وقد كانت كتاباته حول الدين أكثر من كتاباته الأخرى (٤).

وبقدر ما يكشف التحليل "لتاريخية الدعوى وأيدلوجيتها" عدم سلامة تلك الدعوى في "الموضوعات" فإنه يكشف بصورة أوضح مدى عمقها في بقية صور التعارض، في تعارض "الإطار" و"المنهج" و"العمل"، والأغلب يستندون في بقية التعارضات إلى صحة الدعوى الأولى، فعليها يقوم دعوى التعارض الكلي بين


(١) انظر: من العلم العلماني إلى العلم الديني، مهدي كلشني ص ٣٦.
(٢) انظر: موقف الدين من العلم، د. علي باشكيل ص ٢٣ من الحاشية.
(٣) إسحاق نيوتن والثورة العلمية، جيل كريستيانسن ص ١٠١.
(٤) انظر: إسحاق نيوتن والثورة العلمية ص ٩٧ - ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>