اليهود أو ما هو أشنع، ألا وهو انتماؤهم للإلحاد والمذاهب المادية، وهؤلاء لهم حساباتهم مع الإِسلام وأهله، وهي تدفعهم إلى صرف المسلمين عن مصدرهم وهويتهم؛ فهم إن كانوا على ملتهم فلا يهمهم الإِسلام، وإن كانوا على الإلحاد فالأمر أشدّ وأخطر. ولأن المسألة هي مسألة محاربة لدين الله واستغلال العلم الحديث أداةً -بعد تشويه مناهجه أو نظرياته- فلابد من إشاعة مفاهيم تساعدهم في ذلك، مثل: قول أتباعهم: إن مثقفي النصارى واليهود أكثر انفتاحًا على الثقافة الحديثة، وأكثر قبولًا لها، وأسبق من المسلمين، دون أن نفرق بين قوم لا يخسرون شيئًا إن جعلوا أنفسهم في ذيل ثقافة الغرب، وبين من يملكون الهدى والنور ويخسرون كثيرًا بالتبعية. ومثل: وصف الثقافة الغربية بالعالمية والعلمية، فتُعطى صفة الإطلاق والثقة لشيء لا يستحق ذلك، وهو ما أصبحت تقرره فلسفة العلم المعاصرة بعد بروز نظريات الفيزياء الأخيرة، وأثرها في نزع صفة المدح المطلق أو الثقة المطلقة في العلم. مع أن المسلم لا يقلل من شأن العلم في أي باب من الأبواب العلمية، ولكن المسلم لا يعطي الإطلاق إلا للوحي.
مكانة الوحي في التصور الإِسلامي وصور إقصائه كمصدر للعلم عند المتغربين:
يقوم التصور الإِسلامي على مصدرية الوحي لأبواب الدين، الدين مصدره الكتاب والسنة، وكل مسلك غير ذلك مسلك فاسد، والبحث عن مصدر غيرهما يوصل صاحبه إلى طريق مسدود، قد يصل الناس بعقولهم أو بعلومهم إلى شيء من أمور الدين، وهذا لا يخالف فيه أحد؛ لأن الدين جاء بالحق، وقد يصل الناس إلى شيء من هذا الحق إن أحسنوا الاستدلال، ولكنهم لن يصلوا إلى الدين بكماله، كما أنه لا ضامن لهم في صحة ما وصلوا إليه، بخلاف من سلك طريقة أهل السنة فهو واثق من علمه وعمله في أبواب دينه.
ويكفي التذكير بأمرين يستحيل وصول البشر إلى شيء منهما دون الوحي وهما: الغيبيات والشرائع (١)، وأعظم أنواع الغيب الإيمان بالله سبحانه، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وتحقيق ربوبية وعبوديته سبحانه، ثم يأتي أنواع أخرى من
(١) انظر: المعرفة في الإِسلام. مصادرها ومجالاتها، د. عبد الله القرني ص ١٥٥ وما بعدها.