ثامنًا: تعرّف المجتمع الإسلامي على العلوم العصرية ونظرياتها
كان اتصال المجتمع أولًا بالعلوم البحتة؛ ففي أغلب المعاهد الجديدة يدرس الطلاب العلوم الرياضية أو الطبيعية أو الصناعية أو التقنية أو غيرها دون اتصال بأبعادها الفكرية والفلسفية ومشاكلها التي عُرفت في أوروبا في أثناء الصراع بين الكنيسة والعلم الحديث، ولا يمنع ذلك أن يسمع الطلاب من أساتذتهم بعض الأخبار؛ ولكن ذلك سيكون على هامش الدراسة ولن يكون من صلبها؛ لأن مثل هذه النظريات وأبعادها إنما تدرس في الدراسات العليا، وهذه لم تكن موجودة، وأول ما وجد من المعاهد العليا لمثل هذه العلوم هو ما فتحه المنصرون في بلاد الشام وأشهرها:"الكلية اليسوعية السورية" -الجامعة الأمريكية لاحقًا-، ثم "دار الفنون" في إستانبول التي أشرف على فتحها دعاة التحديث والتنظيمات في تركيا, ولكنها لم تستمر طويلًا إذ أقفلت بعدما أثارته من مشكلات، وبقيت معاهد المسلمين التاريخية محصنة من دخول مثل هذه النظريات حتى من جهة معرفة حقيقتها، ومن ثمّ إمكانية التعامل النقدي معها. ولكن هذه النظريات إن لم تدخل عن طريق المؤسسات العلمية؛ فقد وجدت طريقها عبر منفذ آخر وهو الصحافة -المولود الجديد في القرن الثالث عشر- فبعد أن ظهرت المطبعة وانتشرت في المدن الكبيرة جاء ميلاد الصحافة لتستحوذ على النخب المثقفة كونها بلا منافس آنذاك، وقد استولى على أغلبها من لا صلة لهم بالأمة إلا صلة العداوة، فنشروا تلك المشكلة -النظريات العلمية ومشاكلها- التي عرفتها أوروبا داخل المجتمع الإسلامي. كما أن النشاط الأوروبي داخل