بين هؤلاء العلماء وبين المختصين في تدريس العلوم الحديثة، علاقة تفرز موقفًا موحدًا ينهض بالأمة، بل كان مدرس الجغرافيا والفلك يُدرّس النظرية الجديدة في الفلك ويقوم بنفسه بعمل التأويل والتقريب بين النصوص الشرعية وبين ما يُدرّسه دون أن تظهر صلة بأعلام التيار التوفيقي. ولم أستطع من خلال ما وصلت إليه من مراجع إيجاد صلة عملية حقيقية بينهم، حتى النقاش العلمي بين المواقف لم أجد شيئًا يثبت مثل ذلك رغم أهميته، إلا ما يدور في صحافة ذاك العصر، ولكنه لم يكن حوارًا بين المتخصصين في العلوم الحديثة وبين علماء الشريعة. وإن لم تظهر العلاقة بين علماء الشريعة والباحثين في العلوم العصرية؛ فقد كانت العلاقة بين هؤلاء العلماء والمجتمع قوية، ولاسيّما النخبة المثقفة التي تأثرت بالصحافة والتعليم والمراكز الثقافية وبالاطلاع الفردي فضلًا عما يضغط به أتباع الطوائف الغربية المنتشرة في مدن العالم الإِسلامي آنذاك، وبسبب ذلك يكون التأويل عملًا يراعي ثقافة المجتمع وحدود معرفته ولكنه لا يراعي المعارف العلمية وعلماءها. فكان عملهم التأويلي أشبه بالمُسكّن الذي أوقف إلى حدٍ ما زحف التغريب والتفلّت الديني، ولكنه لم يكن من الجهة العلمية مقنعًا لمن عندهم اطلاع على المعارف الحديثة. وقد كان من آثار ذلك أن ذهب أثر المُسكّن مع اكتشاف معارضات جديدة نقضت القديمة، وفي الوقت نفسه وجد أصحاب المعارف الحديثة أن عملية التأويل هي أشبه بالاحتيال على النص الشرعي أو الأصل الديني، فلماذا لا يُوسع هذا الاحتيال؟ ومن هنا حوّل أتباع هذا التيار هذا الدين المؤول إلى دين مبدل، حيث انفلت أتباع التيار إلى دعوات علمانية صريحة بعيدة عن الدين حتى بصورته المؤولة، وقد كانت هذه من أخطر ثغرات هذا المنهج العصراني.
ثالثًا: النموذج الهندي العصراني:
لقد رأينا في الفصل الثالث أن تجربة المسلمين في الهند كانت تجربة مهمة حول العلاقة بالحضارة الغربية وما ارتبط بها من علوم حديثة ذات أثر في تقدمهم وقوتهم، ومن أسباب أهميتها أنها سبقت تاريخيًا بلاد المسلمين الأخرى لاسيما على مستوى المجتمع وبعيدًا عن السلطة والحكومات.
كان من بين أشهر ما ظهر هناك مدرسة "سيد أحمد خان"، تلك المدرسة