للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيلسوف وضعي بالمعنى الشامل الدقيق" (١)، لتتحول التجريبية معه ومع غيره تحولًا صريحًا نحو المادية، وليضع لها الصياغة الفلسفية الكاملة (٢)، ويؤسس "العلوم بمنهج تجريبي في مقابل المنهج الهندسي عند سبينوزا. ويطبقه في شتى العلوم الإنسانية في الفلسفة والأخلاق، وعلم النفس، والدين، والتاريخ"، وذاعت شهرته بدراساته حول الدين الطبيعي (٣). وفي هذه المرحلة كان قد اشتهر عن التجريبيين الإِنجليز قضية يظهر فيها التناقض وهي "الجمع بين الحسية المادية بما تعنيه من رفض لما ليس ماديًا مع القول بوجود الله سبحانه"، وهي ملاحظة ذكرها "يوسف كرم" عند استعراضه للتجريبيين الإِنجليز إذ يقول: "ولم يكن هذا الجمع بين الإيمان وبين المادية شاذًا عند الماديين الإِنجليز" (٤)؛ لأن الأصل في النزعة الحسية المادية أن تؤدي للإلحاد، وهذا ما شعر به أحد أشهر فلاسفة الإِنجليز الموجود في تلك الفترة وهو "جورج باركلي"، وفي ذلك يقول "أديب صعب": "بينما احتفظ لوك بفكرة "الجوهر المادي" الذي يربط عناصر الشيء بعضها ببعض ويغدق على كل شيء هيئته وجد جورج باركلي (١٦٨٥ - ١٧٥٣ م) أنه لابد من التخلي عن فكرة الجوهر المادي لأنها تؤدي منطقيًا، في رأيه، إلى الإلحاد. . . ." (٥).

[ما بين الميتافيزيقا والعلم عند الاتجاه التجريبي]

كان أحد منافذ الاتجاه التجريبي نحو الإلحاد منفذ نقد الميتافيزيقا، ومن خلال هذا المنفذ دخل الاتجاه التجريبي ميدان العلم الحديث لينحرف بالعلم في مجال الفكر والواقع، حيث ركز الاتجاه التجريبي على تنقية العلم والفكر من الميتافيزيقا تحت دعوى حماية العلم من آثارها، ولكن نقد الميتافيزيقا أوصلهم إلى رفض الدين ذاته والنبوات والغيب.

يعد مفهوم الميتافيزيقا من المفاهيم الشائكة في دائرة الفكر الغربي، وقد


(١) نحو فلسفة علمية، د. زكي نجيب محمود ص ٣١.
(٢) انظر: مقدمة في علم الاستغراب، د. حسن حنفي ص ٢١٧.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢١٨.
(٤) تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم ص ١٥٦ أثناء حديثه عن "هارتلي" و"بريستلي".
(٥) انظر: المقدمة في فلسفة الدين، أديب صعب ص ٧٤ وكان "باركلي" مثاليًا وقسًا إنكليكانيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>