للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهؤلاء الثلاثة في تعكير صورة العلاقة بما نريده من الغرب وفتح نوافذ التغريب والتفاعل السلبي مع العلوم، فسأخصص فقرة لكل واحد منهم.

[١ - الحملة الاستعمارية الحديثة الأولى لبلاد المسلمين "الحملة الفرنسية"]

ظهرت رغبة غربية نهايات القرن الثاني عشر/ الثامن عشر في غزو بلاد المسلمين لتحقيق مصالح مادية وأيديولوجية، وساعده في ذلك تقدمه الدنيوي وقوته الحربية، مع ما لاحظه من ضعف في الدولة الحامية لبلاد المسلمين -الدولة العثمانية- بعد معاركه الأخيرة معها، مما أطمع الدول الأوروبية في تركة هذه الدولة العظيمة، وصارت كل دولة أوروبية تتحفز للاستئثار بقطعة منها (١)، وإن كانت الرغبة يُخطط لها من فترة أقدم من ذلك (٢).

قام "نابليون" قائد الحملة الفرنسية بأول مغامرة، وعلينا أن نتذكر بأن هذه الحملة بنت الثورة الفرنسية الشهيرة التي مهد لها عصر التنوير ودعاته والجمعيات المختلفة وأهمها الجمعيات الماسونية، وهذه الحملة كانت موجهة لخدمة مصالح الجمهورية العلمانية الجديدة، ومحمّلة بأفكار تلك الثورة وعلى رأسها الموقف الرافض للدين والاستهانة به بل محاربته فكريًا وثقافيًا، مع دعوى ومزاعم الإقبال على العلم والعقلانية والإنسانية، فإن الثورة التي أعلنت وثيقة حقوق الإنسان هي التي أرسلت جنودها لاحتلال بلد مسلم لاستغلال أهله ونهب خيراته وإضعاف شأنه، وقد كان قائد الحملة هو من شارك بفعالية في الثورة الفرنسية؛ مما حوّله إلى بطل من أبطالها وكُلّف بأصعب مهمة كانت أوروبا تحلم بها وهي احتلال قطعة من بلاد المسلمين.

ونظرًا لمبالغة التغريبيين في دور هذه الحملة الإنساني والمعرفي على المسلمين، وأنها كانت وراء يقظتنا العلمية وتحولنا إلى العلوم الحديثة والنهضة الفكرية، وأنها بحسب الكثير من غُلاتهم ذات هدف إنساني وتطويري، نظرًا لمثل هذه الدعاوى نقف بعض الشيء مع رسول الحضارة الغربية إلى الشرق الإِسلامي، لنتأمل فيها تأمل العاقل الذي يُذكّر الناس بالحقائق ويزيل الكثير من الأوهام حولها.


(١) انظر: تاريخ الدولة العثمانية، أرسلان ص ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٢) انظر: حاضر العالم الإِسلامي. . . .، د. جميل المصري ١/ ٧٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>