العلوم، الأمر الذي يفرضه تطور العلوم ذاتها. . . ." (١). إذًا فالوظيفة الكبرى للمذهب المادي لم تتوقف وهي توجيه العلم لهدم الأديان وإبراز الإلحاد، والاستمرار في توظيف العلم لهذه المهمة وتلبيس العلم هذا اللبوس الإلحادي.
وهذا النموذج الذي اخترته ما هو إلا واحد من بين عدّة مذاهب مادية وغير مادية، ترى أنها الصورة العلمية للعلم، وأن أهم مهمّة يجب عليهم القيام بها هي إثبات صحة الإلحاد من خلال العلم ذاته، مع أن العلم ذاته والعلماء في الجملة خلاف ما يدّعيه هؤلاء الماديون.
وفي النهاية يتضح لنا بأن الفكر المادي قد قام بعملية كبيرة أوهم فيها الكثير من خلال وصفه لماديته بالعلمية، وقام بأكبر عملية استغلال، بل وخيانة للعلم ذاته، حيث جعلوا من وظيفة العلم إبطال الدين والغيب وإنكار وجود الخالق سبحانه، وصوروا كل فرع من فروع العلوم الحديثة بأن غايتها الإلحاد.
ورغم أن هذا المذهب قد لقي ضربة تكذبه من العلم ذاته لاسيّما من سنده القديم الفيزياء ثم أعقب ذلك الضربة الموجعة لنظامهم السياسي بعد سقوط أشهر دولة تتبنى مذهبهم، ومع ذلك فهذا المذهب قد بدأ يتشكل بصورة جديدة ويمارس نشاطه القديم تحت مسميات جديدة تتناسب مع التحولات كعادته في التشكل ليواصل مسيرته الخبيثة.
ويبقى هذا المذهب أحد أسوأ المذاهب انحرافًا برسالة العلم النبيلة، وتشويها لحقيقته لأنه قد جعل من العلم سلاحه المفضل للتبشير بالمادية وإنكار الخالق سبحانه والغيب والدين.
[الرابع: دور المذهب التجريبي الحسي والوضعي]
كانت العلوم المشهورة تؤخذ ضمن الفلسفة في الفكر الغربي القديم والوسيط ولم تحقق تلك العلوم ثورتها ونجاحها إلا بعد استقلالها عن الفلسفة. بدأ استقلال العلم الحديث في الفلك والفيزياء معتمدًا على المنهج المنقول عن المسلمين، وبعد أن حقق العلم ما حقق من تطور وتقدم تبعه ظهور حركة فلسفية جديدة انفصلت عن الدين وتريد الاتصال بهذه العلوم الجديدة، وكانت إحدى