للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجد في أثناء استرجاعهم لرواد الحركة العلمية الحديثة انزعاجهم من بقايا الدين الموجودة عند أولئك الرواد، فـ"جاليليو" مثلًا رغم ما قدمه للعلم والمادية، إلا أنه -بحسب تعبيرهم- وبسبب عدم النضج الأيدلوجي بقي عمله ناقصًا ولم يتخلص عن اعتقاده بوجود الإله، فإن في نظامه ثغرات تجعله في حاجة للاستنجاد بالإله؛ لأنه ما زال يؤمن بأن الإله قد خلق العالم في زمن معين ووضع الشمس في مركزه وأعطى الكواكب حركتها ثمّ توقف الفعل الإلهي هنا (١)، فحتى هذا الدور القاصر الذي جعله جاليليو للرب سبحانه يريدون حذفه. ثمّ هم يضعون "بيكون" مؤسسًا للعلم التجريبي ومنهجه ورائدًا للفلسفة المادية الحديثة، ولكنه رغم ذلك -عندهم- لم يكن منسجمًا في ماديته إلى النهاية إذ تنازل أمام الفكر المثالي باعترافه ولو شكليًا بوجود علم خاص عن الإله (٢)، وبقيت أعماله مخلوطة في نظرهم بشوائب دينية إلى أن جاء "هوبس" فعمل على تنقية مادية "بيكون" من شوائبها الدينية (٣)، ليسلمها القرن الثاني عشر/ الثامن عشر وقد صُفّيت من كل أثر ديني.

وفي السياق نفسه كان موقفهم من العلماء المعاصرين والفلسفات العلمية المخالفة للتيار المادي، فحسب رأي الماركسيين قد "شهد القرن العشرون ظهور عدد من التيارات الفلسفية، يحاول كل منها أن يضفي على نفسه صبغة العلمية، بينما يعالج أنصاره محتوى العلم المعاصر ومنهجه معالجة مثالية محضة، ويسعون إلى إسدال الستار على محتواه المادي، والتوفيق بين هذا المحتوى ومختلف النظرات المثالية والدينية" (٤)، مع أن بعض ما تعرضه هذه التيارات له أهميته من وجهة نظر الماركسيين إلا أن ما ينقصهم هو "استخلاص نتائج مادية من معطيات


(١) انظر: موجز تاريخ الفلسفة، جماعة من السوفيات ص ١٥٢.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١٥٦.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٧٠، وقد اختلفت الدراسات حول "هوبس"، فرغم أنه مادي في فلسفته ويرى إخراج الدين من الفلسفة إلا أنه يبقى على خلاف ما يزعمه التيار المادي يقرّ على الأقل بوجود الرب، انظر مثلًا: دراسة د. إمام عبد الفتاح: (توماس هوبز -فيلسوف العقلانية)، الفصل الرابع ص ٣٩٥ وما بعده، وهذا الكلام إنما هو بحسب مقاييسهم للإيمان والإلحاد.
(٤) موجز تاريخ الفلسفة ص ٦١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>