للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المولى سليمان، وفي هذه الفترة زار مؤرخ إسباني مدينة فاس وأعجب بحيويتها العلمية، وذكر عنها أنها تحاكي "أثينا أوروبا" وأن باستطاعة "المرء أن ينظر على أنها "أثينا" إفريقيا، لكثرة أساتذتها، وكثرة الذين ينتسبون إلى العلم فيها، وبالتالي لوفرة مدارسها التي تكتظ بالطلبة" (١). والذي يظهر أن هذه المعرفة النظرية لم تتحول إلى واقع عملي تطبيقي يستفيد منه المجتمع، ولذا لم يظهر الطب والصناعة والإدارة والتنظيم الذي هو ثمرة مثل هذه المعارف، كما أن فيها ما لا نفع فيه.

تشارك المغرب التجارب الأخرى في تجربة التحديث، ولكنها كانت في وضع أصعب وأخطر، فإذا كانت الجزائر الولاية العثمانية قد تم احتلالها ولم تستطع الدولة العثمانية مساعدتها؛ فمن باب أولى لدولة في آخر جزء من غرب العالم الإِسلامي أن تكون أكثر تعرضًا للخطر، ومن ثمّ عليها المسارعة في الاستعداد للمواجهة الصعبة.

كحال التجارب السابقة التي ركزت على الإصلاح والتحديث المادي. كانت الطرق المقترحة لتحصيل العلوم العصرية والأنظمة الحديثة إما بجلب بعض الأجانب أو بالابتعاث، وكانت فرنسا في أغلب التجارب هي صاحبة الحظ الأوفر في هذا الباب.

[أ- تنبيه النخبة بأهمية العلوم العصرية]

شعر الكثير أن من بين أسباب الهزيمة أمام فرنسا وإسبانيا في "إيسلي وتطوان" هو تخلف الجيوش المغربية مقابل تقدم الجيوش الأوروبية، فالجيوش الأوروبية تملك من النظام والإدارة وكذا من الأسلحة ما يجعلها متفوقة ماديًا على الجيش المغربي، وأن هذا النظام وهذه الأسلحة راجعة إلى التقدم العلمي الذي عرفته أوروبا (٢)، لذا فطريق النهضة يكون من باب العلوم والمعارف، وأن


= ولكن مقصوده كما هو مقصودي أن العلوم المادية كانت تؤخذ على شكلٍ ما، وإلا ففي ما ذُكر شيء من العلوم غير نافعة.
(١) انظر: المرجع السابق ٣/ ٧٢٦ - ٧٢٧، ومما يذكر لهذا السلطان أنه قد تأثر بدعوة الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب والاتجاه السلفي عمومًا، فأزال الكثير من البدع واجتهد في إحياء السنة، انظر مثلًا: الخطاب الإصلاحي في المغرب التكوين والمصادر، عبد الإله بلقزيز ص ٥٠ - ٥٦.
(٢) انظر: الخطاب الإصلاحي في المغرب. . . .، بلقزيز ص ٦٩ - ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>