في انتظام مناهجها بإسحاق نيوتن قرابة نهاية القرن. ولا غرو إذا شاهدنا الناس في تلك الحقبة لا يطيقون احتمال هدوء المناهج الكلاسيكية وسكينتها، فتلك الأجيال لم تر في أي شيء توازنًا أو استقرارًا. فهم الذين اكتشفوا وعثروا على قضايا أسطورية مرعبة، والعالم القديم البالغ من العمر ألفي عام بدا شظايا لأعينهم، وأخذ العالم الحديث بمحيطه الكفافي يرسل بومضات واهية، ويتراقص أمام بصر إنسان القرن السابع عشر فيلهمه حينًا ويرعبه أحيانًا" (١).
وبهذين الحدثين الداخليين: حركة مفكري عصر النهضة المائلة إلى اللادينية، وحركة الإصلاح الدينية؛ حدث إضعاف لسلطة الكنيسة القديمة واستهانة بما تحمله من علوم. ولكن الانتقال إلى عصر علمي جديد يحتاج لأمر آخر يساعد في النقلة؛ وهو ما أشرنا إليه سابقًا بعلوم ومعارف ومناهج يحصلون عليها تُبيّن ضعف أو خطأ ما ورثوه وأهمية تجاوزه.
[[٣] الأمر الخارجي: أثر العلم المنقول من بلاد المسلمين في ظهور الثورة العلمية]
المعتاد لمن تأمل في تاريخ البشر عدم وجود ظاهرة جديدة دون مقدمات تسبقها، وأسباب تتسبب في وجودها، حتى تلك التي تظهر فجأة فلابد من علل وأسباب إما ظاهرة أو خفية. ولا يخرج عن ذلك ظاهرة العلم البشري الحديث، وقد رأينا فيما سبق الظروف العامة المهيأة لمناخ فكري جديد، وهنا سنرى ظروف خاصة بالعلم ومن داخله تُسهم في تطوره، وكان على رأس ذلك الحجم الكبير والهائل من العلوم المنقولة من بلاد المسلمين قبل زمن الثورة العلمية، وهذه وقفة مع هذا الحدث المهم الذي تتجاهله كثير من الدراسات.
لقد كابدت أوروبا في عصورها الوسطى التخلف العلمي، بينما شهد العالم الإسلامي حضارة عظيمة وتقدمًا كبيرًا في هذه العلوم وغيرها، وقد أسهم هذا التراث العلمي الكبير الذي كوّنَه المسلمون بعد أن أخذه الغرب في حدوث ثورتهم العلمية، وذلك بعد أحداث دامية ألمّت بالعالم الإسلامي فأضعفت تقدم المسلمين وعصفت بحضارتهم، وقد ذكر "غوستاف لوبون" بأن الإسلام هو