للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في إظهار الشُبه والشكوك حول النصوص الدينية. وهذا انحراف خلقي صاحب بعض علماء العصر في العلوم الحديثة وذلك عندما يحاولون توجيه هذه الأجهزة في خدمة أهوائهم ويستخدمونها بغير حق ضد الدين وأهله، وهو انحراف صاحب حركة العلم الحديث في علاقته بالدين.

وبالعودة إلى "جاليليو" أول من اشتُهر عنه الاستعانة بالمقرب "التلسكوب" في صراعه وما أثاره ذلك الفعل منه نجد صورًا غريبة، منها مثلًا: خوف معارضيه من هذا الجهاز، وقد رفض أتباع أرسطو النظر إلى السماء من خلاله، وأنه لا يكشف إلا عن أوهام ما دام ذلك يخالف ما قرره "بطليموس" و"أرسطو"، ويخالف ما قررته الكنيسة (١). ولكن هذا الرفض لم يُغير من رغبة الناس في استخدام هذه الأجهزة، بل اعتمدت الثورة العلمية اعتمادًا كبيرًا عليها فيما بعد.

[٢ - صراعات جاليليو والمظهر الفكري الذي تبعها]

بعد أن عرفنا أثر الأجهزة في الثورة العلمية، فلنعد إلى علاقة جاليليو بالأحداث والنمط الذي تشكّل بسبب صراعه مع الكنيسة:

يُعدّ جاليليو أحد أبرز علماء أوروبا تأثيرًا في حركة العلم الحديث وأثره بارز في صناعة الثورة العلمية، وبسبب صراعه الدامي مع الكنيسة تشكّلت مواقف ومناهج طبعت صورة الفكر الغربي الحديث، وأثّرت كثيرًا في علاقة العلم بالدين، ومن المفيد ذكر صورة مختصرة عن جزء بسيط من أثر جاليليو في الثورة وفي الصراع مع الكنيسة ليتبيّن لنا حقيقة أثره ودوره ونفهم الصورة الملتبسة في العلاقة بين الدين والعلم عندهم، والصورة المستقرة في عقول الغربيين بعد ذلك الصراع.

من يرجع لكتب تاريخ الفكر والعلم في أوروبا في أثناء حديثها عن مرحلة جاليليو، يجدها وكأنها قد حصرت النشاط الأوروبي في قضية جاليليو ومخالفيه، وكأن الحدث الأبرز والدائر في أوساط المجتمع هو حدث جاليليو فقط، ويظهر


(١) انظر: تاريخ الفكر الغربي، رسل، ترجمة الشنيطي ص ٧٠، وتاريخ الفلسفة الحديثة، كرم ص ٢٠، والعلم في التاريخ، برنال ٢/ ٦٨، وانظر: عن دور الأجهزة: العالم بين العلم والفلسفة، جاسم العلوي ص ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>