للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسبب هذا النزاع في السماح لتيارات مبغضة للدين أن تتحرك بسهولة، وأن تُسرب دعوتها اللادينية إلى المجتمع الجديد، ومع وجود معارف مغلوطة في اللاهوت النصراني ووجود معاملة فاسدة أصبح الحل العلماني هو أحد الحلول المطروحة بقوة، ويكسب يومًا بعد يوم أنصاره من العلماء ومن المفكرين ومن ضحايا الكنيسة، ومن بين ما يطرحه هذا الحل العلماني الدعوة إلى إخراج العلم من الكنيسة وإبعاده عنها، ومن هنا ظهرت العلمنة كسبب ثاني في الانحراف بالعلم بعد أن نجحت في إخراجه من الكنيسة وتولّت رعايته، وهذا هو موضوع الفقرة التالية.

[الثاني: دور العلمانية في الانحراف بمسيرة العلم]

[التحول نحو العلمنة في أوروبا]

لقد كان تحول أوروبا والغرب نحو العلمنة عملية تاريخية كبيرة يصعب تناولها في هذا المقام، وهي عملية كانت ترجع إلى فشل الكنيسة في رسم التصور وإعطاء المعتقد الحق وفشل القيادات في إدارة المجتمع نحو التقدم والسعادة الإنسانية، ولكن البديل كان تلك الثمرة الخبيثة المسماة بالعلمانية (١). لقد تضافرت أحداث عدّة في دفع المجتمع الغربي نحو العلمانية، وتركز الدراسات عادة على إبراز أثر الكنيسة كأحد أهم العوامل في اندفاع الغرب نحو العلمنة، بعد أن بلغت الكنيسة ذروة الانحراف مع قمة الطغيان، وقد وجدت الطوائف المبغضة للدين فرصتها السانحة في طرح بديلها كمخرج من الأزمة القائمة في الغرب، وتصويره بأنه البديل الوحيد الممكن، وهو العلمنة لا غير، وقد كان يمكن طرح بدائل أخرى؛ إلا أن مصلحة الفئات الجديدة كانت تتحقق بالعلمانية أفضل من أي معنى آخر.

وبما أن ما يعنينا في البحث هو التنقيب عن أسباب الانحراف بالعلم، فلن


(١) تختلف الكتابات العربية حول المصطلح المناسب لمثل هذه الظاهرة أو المذهب، ويمكن النظر فيما قيل حول المصطلح في كتاب: جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج ص ١٠٦ - ١٦٧، ففي تلك الصفحات مجموعة أبحاث حول المصطلح، وسيأتي له مزيد بحث في الباب الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>