اختلفت المواقف في العصر الحديث نحو المفيد من الحضارة الغربية، وأحيانًا نحو مجمل تلك الحضارة. وقد سبق للأمة في تاريخها المرور بمثل هذا الموقف، وكان العمل السائد آنذاك هو "الترجمة"، أعقبها ضعفٌ نسبيٌ عطّل إلى حدٍ ما المأمول بعد الترجمة، ولاسيما في العلوم الدنيوية وأبوابها، وحدث تطورٌ كبير في علمَي:"الفلك والطب" مع بقاء المصدر الأجنبي في مصادر العلم، ولم يحدث الاستقلال المعرفي، ولم تقع قطيعة معرفية كاملة مع الموروث الخارجي، لقد كانت تجربتنا التاريخية في أبواب العلوم الدنيوية ومناهج العلم -رغم ضخامتها وأثرها في انطلاقة الغرب الحديثة- ناقصة بسبب عدم نجاحها في الاستمرار.
ومع أن "الترجمة" ودراسة ما ترجم كانت هي العمل السائد، إلا أنه لم يظهر من المشتغلين بتلك العلوم رغبة في تقليد النماذج الحضارية المجاورة، رغم تأثر البعض بموضوعات من الحضارات المجاورة، كان هذا هو السائد في سياق تجربتنا التاريخية، ولاسيما زمن الدولة العباسية. لقد قامت ورشة عمل مهمة داخل الحضارة الإِسلامية دون شك، وبرزت معالم انطلاقة كبيرة في علم الهيئة والطب والرياضيات وكذا في تأسيس عناصر المنهجية العلمية ولكنها توقفت قبل أن تؤتي ثمارها، ونُقلت تلك التجربة في منتصفها إلى أوروبا، ورأينا ثمرة تلك العلوم عندهم في ذاك التقدم الدنيوي الذي لا خلاف حوله. فكانت الترجمة واضحة ومشروعًا معروفًا بخلاف ورشة العمل الحضارية للتقدم بهذه العلوم فقد حدث لها توقف بعد ضعف خطير أفشل مشروعنا القديم.