اختلفت المواقف والاجتهادات حول الحضارة الغربية مع تجربة النهضة الحديثة للأمة الإسلامية، وكانت هناك دون شك مواقف شاذة، تمنع عن جهل -بالدين أو بحقيقة الحضارة الغربية- أي: استفادة من الحضارة الغربية، وقد تصدى لها جملة من علماء الإسلام. وفي المقابل هناك مواقف شاذة أخرى رأت أن المطلوب هو نقل بهرج الحضارة الغربية من أنماط معمارية جُعلت لبناء القصور والتفاخر بها أو في الأزياء أو في التنظيمات الشكلية، أو نقل الفنون والآداب والمذاهب الفكرية مع عدم عناية بالعلوم التطبيقية النافعة، حيث وجدوا في غير العلوم النافعة لذة ومتعة، وهي بطبيعتها أسهل ولا تحتاج إلى جهد ومعاناة وتكاليف مادية، فضلًا عن شُحّ الغرب بالنافع. وربما كان رفض الفريق الأول بسبب ما رآه من الفريق الثاني، قد نُطلق على الأول الفريق المحافظ، وكان معروفًا في جميع الاتجاهات الإِسلامية، بينما نُطلق على الثاني فريق التغريب على تفاوت بينهم، وهم قوم فُتنوا ببهرج الحضارة الغربية أو بفنونها، وتكاسلوا عن المهمات الحقيقية النافعة.
فظهر لدينا موقف محافظ سلبي، موقف الرفض، وكان أضعف المواقف، ولم يصدر عنه منهج سليم أو محدد حول الموقف من هذه المستجدات سوى الرفض وضعف عن إيجاد طريق للحل، ولذا لا نجد مشكلة في تجاهل هذا التيار؛ لأنه لا يملك رؤية واضحة حول سبب الرفض. بخلاف الموقف الشاذ الآخر والمقابل له، فهو يدّعي أن تقدمنا وتفوقنا ونجاحنا وحضارتنا مرتبطة بتقليد الغرب، فصاغوا رؤيتهم ومنهجهم في إطار هذا الموقف، وستكون نتيجة هذا الموقف غالبًا أنه موقف استهلاكي استمتاعي؛ استمتاعي بالبهارج أو استمتاعي بالفنون وأبوابها فضلًا عما يتسرب من انحرافات من خلال هذا الموقف، وستكون مناقشة هذا الموقف في المبحث الأخير بإذن الله.
ظهر تيار مخلص فيما نحسبه، نشيط وبارز، واشتهر نهاية القرن الثالث عشر الهجري، وجاء ظهوره بعد أن أغرقنا التيار السابق بما لا حاجة لنا به من أبواب الحضارة الغربية، ورأى أثر ذلك في نفوس شباب المسلمين ووقوعهم في الحيرة والشك، وانقياد بعضهم لذلك الموقف الاستهلاكي الاستمتاعي، وعيشهم حالة استلاب خطيرة، فلا هو ممن تمسك بحضارته