وفلسفته ومنهجه في حملة عنيفة قام بها مجموعة من مؤسسي الفكر الأوروبي الحديث.
نترك هذه الآلام ونعود إلى أحداث الثورة العلمية، وبتلخيص ما سبق نصل إلى أن العلم السائد كان في الجملة هو الموروث عن "أرسطو"، والمقصود بالعلم هنا الصورة الكلية عن العلم ومنهجه وأصوله وغاياته وفلسفته وما في بابها. وهي تركيبة معقدة، مكونة من رؤى وأفكار أرسطية تحولت إلى عقيدة صلبة للكنيسة الكاثوليكية، بما في ذلك بعض المعارف المتصلة بالعلم، ولا يمكن في تلك الفترة تطوير العلم إلا بعد إصلاح العلاقة بينه وبين الكنيسة، إما بفصل العلم عنها أو بمحاولة الكنيسة إصلاح أخطائها وترك المجال للعلم.
أمران أساسيان لتجاوز التركة الأرسطية:
يظهر في مثل هذا الواقع بأن أي ثورة مقبلة هي بحاجة لأمرين متصاحبين: الأول وجود أدلة علمية أو حركة علمية كافية لفرض نفسها على الواقع العلمي، مؤكدةً عدم صحة ما سبق من علوم، وأنها البديل الصحيح الجديد. وأما الثاني فوجود ما يُضعف صورة العلوم القديمة العقدية في نفوس الناس؛ لأن غطاءها العقدي الديني قد يمنع الكثير من أي تفكير آخر وإن كان صوابًا.
وهذان الأمران قد تحققا بصورة كبيرة في القرن (٨ هـ - ١٤ م) وما بعده، الأول داخلي تمثل فيما سُمي بحركتي النهضة الأوروبية والإصلاح الديني، وقد أضعفا تسلط الكنيسة. والثاني خارجي تمثل في التأثر بما نُقل إليهم عن المسلمين من علوم، فكيف أسهم ما سبق في صناعة الأجواء المناسبة للثورة العلمية؟ هذا هو موضوع الفقرة القادمة.
[[٢] الأمر الداخلي: أثر عصر النهضة والإصلاح الديني]
بدأت تظهر بوادر التخلص من تركة أرسطو -التي تمثل قمة العلم- في عصر النهضة والإصلاح الديني، لاسيّما محاولة تجاوز عوائق التقدم العلمي، فقد ظهر مجموعة أشخاص أطلق عليهم فيما بعد "الإنسانيون" ميّزوا عصر النهضة ولاسيّما مدن إيطاليا أشهر بلاد أوروبا آنذاك، وكان جلّ همهم منصرفًا إلى الفنون والآداب وبعض المعارف مع إحياء واسع لتراث الإغريق الوثني.
وظهر أيضًا في المرحلة نفسها مجموعة أطلق عليهم "دعاة الإصلاح الديني"