مزاعم عصر التنوير حول مفهوم التنوير بأنه استقلال الإنسان واعتماده على نفسه وعدم حاجته إلى مصدر خارجي، حيث كان غاية ما عندهم أن تركوا عقولهم تُنظر وتشرع، ثم وجدوا ثمرتها النكدة بعد سنين، مما رفع من صيحات الإعلان بموت التنوير وفشله وتحويله إلى عكس ما زعمه. وقد كان البديل المقترح مع أهل التنوير عن الدين هو العقل، ثم جاء تحوّل مع الوضعية نحو العلم، وغالب التيارات العقلانية إما أن تتحمس للعقل أو تتحمس للعلم، ولكن ثمار الاثنين أتت على عكس ما يأملون أو يزعمون، فأهل التنوير يزعمون قدرة العقل لوحده على الاستقلال بحياة أصحابه، وأهل الوضعية يزعمون قدرة العلم على الاستقلال بحياة البشرية واستغنائها به عن غيره.
كانت هذه الحال مع الفكر الغربي، أما المتغربون فقد انساق أكثرهم مع تلك التيارات وقلدوها، وزاد الأمر شبهة عليهم بأن أعينهم القاصرة لم تنظر في الغرب إلا إلى دنياه، فوجدوها دنيا متقدمة، وأن العلم الحديث وراء كل جانب من جوانب تقدمها، فتوهموا أن الحل في الاكتفاء بهذا العلم وإعطائه خاصية الحاكمية على حياة البشر إن أرادوا حياة سعيدة، فأعجبهم جانب الكمال الحيواني فيها الذي يرتبط بالجسد ومُتَعِهِ من فنون وآداب، وغفلوا عن جانب الكمال الروحاني الذي فقد كثيرًا في الحضارة المعاصرة.
ولمناقشة هذه الدعوى أبدأ ببيان شمولية الإِسلام وحاجة البشرية إليه، وصورة ذلك، ثم أعرج على الدعوى بتحليلها ونقدها وعرض نماذج منها في الكتابات المتغربة.
الشمولية في الإِسلام وحاجة الناس إليه فوق كل حاجة:
يقوم الإِسلام على أنه الحاكم لحياة المسلمين فهو من العليم الحكيم الخبير سبحانه، وبما أن الإِسلام هو الدين الخاتم، وهو المهيمن على غيره؛ لذا كمل الدين به، وأوجب الله اتباعه، مما يدل أنه يحقق الشمولية والكفاية لما يحتاجه البشر، ومن طلب ذلك في غيره ضل وهلك وأضل وأهلك.
ومما ورد في هذا الباب من الآيات القرآنية الكريمة قوله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣].
ووُصف القرآن بأنه "مفصل" كقوله -تعالى-: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ