للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصدرها الوحي، فضلًا عما يمدنا به الدين من دعم قيمي وأخلاقي يضبط العلوم في طريقة تكوّنها أو في واقع عملها في حياة الناس. حتى أولئك الذين بالغوا في ذكر المعارف الحديثة في أثناء تفسيرهم القرآن الكريم -رغم اعتراض أغلب علماء الإِسلام عليهم- لم يقولوا: إن في القرآن الرياضيات والهندسة والفيزياء والكيمياء، وإنما إذا ورد ذكر شيء من مخلوقات الله في آية قرآنية، قام ذاك المفسر بذكر ما يعلمه عن هذا الكائن في العلوم المعاصرة، وهو أقرب إلى الدعوة للتفكر في خلق الله، وهو بمنطق المتغربين يحسب للمفسر لا عليه؛ لأنه بهذا الفعل يعمم المعرفة العلمية الحديثة ويقربها من القارئ الذي قد لا يكون متخصصًا في هذه العلوم، فإن وجد اجتهاد عند المفسر وحاول الربط بين آية وبين معارف علمية حديثة، فأغلب أهل العلم لا يحبذ مثل هذا الاجتهاد إلا في ظلّ ضوابط شديدة، فإننا إذا رجعنا إلى الاتجاه السلفي نجده يعترض بشدة ويحذر بقوة من التساهل في تفسير آيات قرآنية أو أحاديث نبوية بنظريات علمية أو مفاهيم علمية، فكيف يقال بهذه الدعوى عن الاتجاه الإِسلامي.

[أسباب الانحراف في المصدر]

من يحلل دعوى أهل التغريب يصل إلى عنصرين مؤثرين في انحرافهم حول مصدر المعرفة، فهم يرفضون مصدرية الوحي أو يتحايلون عليها، والعنصران هما: "التبعية للفكر الغربي، وظروف الصراع وأحواله". ومن المهم تحليلهما بسبب استمرار عملهما وخطورة ذلك، كما أنهما كونا الإطار العلماني لمفهوم المصدر.

[١ - التبعية للفكر الغربي]

رغم مزاعم أهل الفكر التغريبي في التحرر والعقلانية، إلا أنهم منقادون للفكر الغربي العلماني ومستسلمون له، والموضوعي منهم يصرح بأنهم في مرحلة التتلمذ، ويقول بأننا طلاب على موائدهم المعرفية، فلا يحق لنا الاعتراض، ودورنا الحالي هو الدراسة والفهم ومحاولة اللحاق بهم. بعضهم ضحايا حقيقيون: فمن طفولته وهو في جو تغريبي، وكانت دراسته في هذا الجوّ، ثم سافر إلى الغرب ليكمل مسيرته وينضمّ لتيارات فكرية لا دينية أو إلحادية، وتبقى حدود إمكانياته أن يكون في أحسن أحواله عضوًا في هذا الاتجاه، مخلصًا في

<<  <  ج: ص:  >  >>