للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبث الروح فيهم من جديد، ومن أهم ما رصده لنا التاريخ من محاولات مؤثرة وأجمع عليها أغلب من كتب عن العصر الحديث، الدعوتان التجديديتان والإصلاحيتان: الأولى كانت في القرن الثامن الهجري مع شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والثانية كانت أول القرن الثاني عشر الهجري مع الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب -رحمه الله- (١)، وكان حاصل دعوتهما بأن ضعف الأمة وتخلّفها وانحرافها يرجع إلى تفريطها في دينها الذي قد أعطاها قوتها في زمنها الأول، وأنه لا نجاة للناس ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بالعودة الصادقة إلى هذا الدين، وأن ذلك يُحتّم على الأمة تطهير الذات من البدع والانحرافات العقدية والالتزام بالاعتقاد على منهج خير القرون والعمل بما شرع الله سبحانه والانتهاء عما نهى عنه. وهم في ذلك يرون بأنه من الواجب على الأمة الأخذ بأسباب القوة والإعداد والانتفاع بالعلوم المفيدة، وإن كانت عند أعدائنا، فالحكمة ضالة المؤمن، والانتفاع بتلك العلوم من الأمور الجائزة. إلا أنهما -وذلك مما تميزًا به عن غيرهما- حذرًا من أخذ كل ما عند الأمم الأخرى، فليس كله حقًّا أو نافعًا، وعلينا الاكتفاء بما نحتاجه من العلوم النافعة لدنيانا على أن يهتم بها بعض أبناء أمتنا بما يغنينا عن الاحتياج للآخرين.

وبقدر ما نفع الله بهذه الدعوة التجديدية والإصلاحية؛ إلا أن الضعف والانحراف قد كان كبيرًا، ولذا لقيت هذه الدعوة من المواقف الصادّة والرافضة الشيء الكثير، إلا أن ذلك لم يمنع من تأثرِ الكثير بها وسعيهم إلى العودة بالأمة إلى قوتها، والارتقاء بها إلى مكانتها العالية.

[٢ - المخاض العسير لدخول العصر الحديث]

دخلت البلاد الإِسلامية عصرها الحديث باعتبارها جزءًا من الدولة العثمانية، والتي لم تكن جزءًا منها فهي تراها على الأقل الدولة الأم للعالم


(١) الكتب التي تحدثت عن الشيخين ودعوتهما كثيرة جدًا، يمكن الرجوع حول شيخ الإِسلام إلى: موقف شيخ الإِسلام من الأشاعرة، د. عبد الرحمن المحمود ١/ ١٥١ - ٣٢٧، وانظر: ابن تيمية السلفي، محمَّد خليل هراس، وحول الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب، انظر مثلًا: عقيدة الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإِسلامي، د. صالح العبود.

<<  <  ج: ص:  >  >>