للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واضحًا في اختيار الأنسب للأمة. ولا أدلّ على ذلك من ذهاب أكثر من مئة عام دون الخروج بحل يحفظ للأمة دينها ويساعدها في دنياها, ولم نحصل على شيء من العلوم النافعة التي أضعناها فيما مضى، ولم تقم نهضة تحديثية حقيقية؛ بل تمكن الأعداء من الأمة وضعفت دولة المسلمين، ووصل الحال بنا أن أغرى الحليف التقليدي للسلطنة -فرنسا- لتتجرأ باحتلال قطعة مهمة من بلاد المسلمين وهي مصر. وللحديث عن بقية تجارب الدولة العثمانية موضع آخر سيأتي في فقرة المرحلة الثانية، وينتقل البحث الآن إلى تجربة أخرى شرق العالم الإِسلامي للنظر في حسناتها وعثراتها وهي تجربة الهند الإِسلامية.

٢ - تجربة الهند الإِسلامية:

كانت الهند الإِسلامية من كبريات البلاد الإِسلامية، وفيها آنذاك -القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري- ملايين المسلمين، وقد تعاقب على حكمها مجموعة من السلاطين، كان آخر دولهم الدولة المغولية (١) التي عرفت تسرب الأوروبيين إليها عبر شركاتهم، وكان أشهرها الشركة الإِنجليزية التي أخذت الإذن من سلطانها، ودخلت وتوسعت بدرجة كبيرة حتى امتلكت أغلب الأماكن الحساسة في الهند، لتصبح الهند دمية في يد الشركة الإِنجليزية. وقد حرص الإِنجليز آنذاك على نشر حضارتهم وثقافتهم بما يمكّن لهم من ولادة جيل جديد يتشربها فيكون خادمًا لمصالح الاستعمار بعد ذلك.

شاهدت الهند هؤلاء الإِنجليز بمدارسهم ومعاهدهم وآلاتهم وشركاتهم وإدارتهم ومدنهم الخاصة داخل الهند؛ مما وسع عندهم دائرة الاحتكاك بالغرب، كان بداية تسلل الإِنجليز عبر التغلغل السلمي، حتى أصبحوا قوّة داخل الهند ففرضوا أنفسهم على تلك البلاد، فثار أهل الهند وقام المسلمون بجهاد الإِنجليز في معارك شتى، ولكن مقاومة المسلمين للإنجليز لم تكن سهلة ولاسيّما مع وجود أهل ديانات مختلفة ومذاهب متنافرة التي تُمكّن العدو من اختراق حصون المسلمين، ففشلت ثورة (١٢٧٤ هـ -١٨٥٧ م)، وبعدها بعام أعلنت بريطانيا تولي التاج البريطاني لحكومة الهند ونفي سلطانها "بهادور" إلى بورما، فانتهت السيادة


(١) انظر: عرضًا موجزًا للدول الإِسلامية في الهند، حاضر العالم الإِسلامي. . . .، د. جميل المصري ٢/ ٣٨٥ - ٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>