للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رغم ما أصابه من تحريف خطير في اليهودية والنصرانية، فانتقلت من دياناتها الوثنية إلى أديان ذات أصل سماوي وقع فيها التحريف، وبذلك انتقل ميدان الأخلاق إلى مصدر جديد هو الوحي، وبرزت الأخلاق اليهودية - النصرانية، وأصبحت المصادر الدينية النصرانية بخاصة الموجه الجديد للأخلاق في الغرب، ومع ذلك فقد طبعت عقيدة التجسد بآثارها على الأخلاق النصرانية (١)، فلم تكن أخلاق اليونان النظرية العقلية الصورية مما يتوافق مع الفطرة، ولا كانت الأخلاق الكتابية القائمة على دين محرف تلبي حاجة الإنسان؛ بل إن التجربة الغربية مع اليهودية والنصرانية مع الأحبار والرهبان قد شوهت الأخلاق الدينية، وإن انحراف القادة الدينيين "الأحبار والرهبان" وانحراف المؤسسة الدينية ولاسيّما مؤسسة الكنيسة؛ يراكم مع الأيام حججًا كثيرة ضد الأخلاق الدينية، ويعمق مع الأيام كراهية شديدة للأخلاق الدينية؛ لأنها أخلاق يدعي أصحابها أنها من رب العالمين، ثم يجد الناس صعوبة في تقبلها ولاسيّما وهم يرون ذاك الفساد العريض يتغلغل فيها ثم يفوح منها، وكل ذلك على أنه من رب العالمين (٢).

[الإطار العلماني للأخلاق الجديدة]

بدأت معالم التغيرات تظهر مع الاحتكاك بالعالم الإِسلامي بخاصة، وقد تختلف التحليلات في تقدير أثر ذلك الاحتكاك، إلا أنه من المؤكد أن معالم التغير تاريخيًا وقعت بعد ذلك الاحتكاك، وبدأت تتكون نواة مجتمع جديد، لم ينفصل عن كل موروثاته وإن أعطاها مسميات جديدة، ولا يمنع من وجود تأثر فعلي حقيقي بالحضارة الإِسلامية، ومن ذلك التأثر في مجال القيم والأخلاق (٣). إلا أن مفهوم العلمنة الذي اخترق التشكيلة الجديدة في الغرب كان له دوره الخطير في إقصاء الدين ومنعه من المشاركة في تشكيل التوجه الجديد، فبقدر ما أثرت الحضارة الإِسلامية في التحرر بقدر ما أثرت العلمنة في الانحراف بهذا التوجه الجديد، وقد رصد لنا الدكتور طه عبد الرحمن صورة هذا التشكل العلماني الجديد


(١) انظر: سؤال الأخلاق. . . . ص ٣١ - ٣٥، وانظر: كتاب الأخلاق، أحمد أمين ص ٨٩ وما بعدها، وهو لم ينبه لآثار البيئة الدينية على الأخلاق اليونانية أو النصرانية كغالب المفكرين العرب.
(٢) انظر: العلمانية، سفر الحوالي ص ٣٦١ - ٣٦٦.
(٣) انظر: جاهلية القرن العشرين، محمَّد قطب ص ١٥١ - ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>