في ميدان الأخلاق والذي تحول كإطار لحركة ميدان الأخلاق فيما بعد، وتعتمد أساسًا على فصل الأخلاق عن الدين، ويقوم هذا الفصل على ثلاثة مبادئ:
الأول: مبدأ التوجه إلى الإنسان: يقضي هذا المبدأ بأن نترك التوجه في تصوراتنا وتصرفاتنا إلى الإله ونقتصر فيها على التوجه إلى الإنسان؛ إذ يرون أن الإنسان قادر على أن يتولى أمر نفسه دون الحاجة للاستعانة بقوة غيبية أو التوكل على موجود متعال، فهو مبدأ يدعو إلى الانفصال عن الإله.
الثاني: مبدأ التوسل بالعقل: يقضي هذا المبدأ بأن نترك التوسل في أفكارنا وسلوكنا بالوحي ونقتصر فيها على التوسل بالعقل؛ فالإنسان أصبح قادرًا على الاستقلال بعقله لإصدار الأحكام والفعل بمقتضاها، ولا سلطان خارجي يهديه لصواب الأحكام أو صلاح الأفعال، فهو مبدأ يدعو إلى الانفصال عن الوحي.
الثالث: مبدأ التعلق بالدنيا: يقضي هذا المبدأ بأن نترك التعلق في أعمالنا ومعاملاتنا بالآخرة ونقتصر فيها على التعلق بالدنيا؛ فالدنيا هي الحقيقة الوحيدة، وهي المستقر وفيها الفلاح، ويكون بما ينجز من تقدم، وليست أخبار الآخرة ولا الخلاص الأبدي فيها، في ظنهم إلا مجرد توهيمات وتضليلات ينبغي العمل على إخراج الناس منها بتنوير عقولهم وتحرير إرادتهم، فهو مبدأ يدعو إلى الانفصال عن الآخرة (١).
وقد أثّرت هذه المبادئ في فصل الأخلاق عن الدين ومن ثم تأسيس نظام أخلاقي منفصل عن الإيمان بالله وعن الاهتداء بالوحي وعن الاستعداد للدار الآخرة، ومع عدم المبالاة في الفكر العلماني بالرب سبحانه وبالدين. إلا أنه كان عزيزًا على الإنسان الانسلاخ عن الأخلاق الفطرية لما في ذلك من تهديد بتحويله إلى أخلاق بهيمية، ولذا كان انفصال هذه البيئة عن الأخلاق بطيئًا، ومن مجالات اجتماعية مختلفة، فبدأت من مجال السياسة مع المكيافيلية، فالغاية تبرر الوسيلة، وبهذا تمارس السياسة دون أخلاق. ثم أزيحت الأخلاق من المجال الاقتصادي مع الثورة الصناعية بتحليل الربا، وقيام أخلاق رأسمالية بشعة يهمها الربح دون النظر للأخلاق. ثم أزيحت الأخلاق من مجال العلم، حيث برزت
(١) انظر: هذه المبادئ في روح الحداثة. . . .، طه عبد الرحمن ص ١٠٠ - ١٠١.