للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: ضعف مؤسسات الأمة العلمية

ألمّ بالأمة الإسلامية في عصورها الأخيرة ضعف شديد، عمق منه انتشار التصوف والإرجاء وغيرهما، ومدّ هذا الضعف بأطرافه إلى جميع المؤسسات بما في ذلك أهمها وهو الجانب العلمي (١) بعلمائه وعلومه ومعاهده. وعندما ضعف الجانب العلمي لم يستطع تلبية احتياجات الأمة كما كانت حاله قديمًا فترة قوته، وتتسع احتياجات الأمة يومًا بعد يوم الاحتياجات الدينية والدنيوية، وفي مقابل هذا الاتساع جاء تخلّف الجانب العلمي، وضعْف أمره فلم يستطع سدّ ذلك العجز وتلبية الحاجة فضلًا عن قيادة الأمة كما هو المأمول من أهل العلم.

ويغلب على المؤسسة الضعيفة الخوف من الاعتداء والهروب من مواجهة الصعوبات، وقد تلجأ إلى حيل مختلفة لعدم القيام بالواجب، وقد كان هذا حال الجانب العلمي في عصور المسلمين الأخيرة. وزاد من سوء الموقف انتشار التصوف (٢) والإرجاء والكلام والتقليد والتعصب المذهبي بين كثير من العلماء وداخل المحاضن العلمية (٣). وقد عُرض في الفصل السابق كيف ضَعُفَ حال


(١) لقد اخترقت المؤسسات العلمية من جهتين: (الكلام) و (التصوف)، أخذ الأول حيزًا كبيرًا من مجال النظر، والثاني من مجال العمل، وأثقلا خط سير الأمة، فأحدهما بالنظر فيما لا حاجة له مما يرهق العقل دون ثمرة فضلًا عما نبع عنه من شرور، والثاني بالعمل فيما لا نفع منه مما يرهق حياة الأمة دون أن تكون على منهج سليم.
(٢) انظر: وفيات الأعلام في: تاريخ الجبرتي، تجد أكثرهم على هذه الحال، وانظر: الأزهر في ألف عام، د. بيارد دودج ص ٥٨ وما بعدها ترجمة، د. حسين فوزي.
(٣) ذلك أن ضعف الجانب العلمي له صلة بالضعف العام، وهو ضعف أساسه عقدي ديني، وقد فتح ذاك الضعف الباب لمجموعة أسباب تضافرت لتأخيرنا دينيًا ودنيويًا، وإلا فكل =

<<  <  ج: ص:  >  >>