للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظهرت له أحزاب وظهر بنشاط فكري واسع، وقد تبنّى هذا الاتجاه الصورة الماركسية بحرفيتها، ومن ذلك هذه القسمة بين البناء الفوقي المعنوي والبناء المادي التحتي الاقتصادي في الأساس، وكل ما في البناء الفوقي من دين وثقافة وقيم وأخلاق وآداب وفنون هو من إنتاج البناء المادي التحتي، فصوروا الإِسلام بعقائده وشرائعه وقيمه وكل مكوناته بمنتج -ينتمي للبناء الفوقي- لعلاقات الإنتاج.

ثالثًا: تحليل ونقد للنظريات الجديدة:

[١] ماذا يمكن أن يقال عن علمية هذه المواقف؟ أقرب جواب أنها غير علمية، فالأصل في المواقف العلمية أن تكون متقاربة؛ فإذا كانت تدعي أنها طبيعية فإن الطبيعة تتفق أقوال العلماء حول مسائلها أو على الأقل تكون متقاربة بينما نجد تنافرًا بين هذه الأقوال وتناقضًا عجيبًا بل وحربًا يشنها بعضهم على بعض، وكل فريق يتهم الآخر بعدم العلمية. وهذا باب مهم في كشف زيف دعاواهم، ولكنه لا يكفي؛ لأنه إنما يكشف وجود مشكلة، ولكن قد يكون الحق مع بعضهم، وهنا تأتي الحاجة إلى معيار خارجي وأداةِ تحققٍ عليا تكشِفُ الحق من الباطل، ولاسيّما في هذه الميادين التي لا يستطيع العقل وحده أو العلم وحده أن يحكما فيها. ولن يكون إلا الدين الحق، فالرب سبحانه هو الذي خلق البشر، وهو الذي يعلم بما يصلح حالهم، فأنزل لهم من الشرع ما يصلح حالهم، وهو الحق الذي نحكم به على كل الأقوال والأفعال والتصورات. ومن تأمل فيما كتب في الأخلاق؛ يجد بميزان الحق أن فيه الحق والباطل، ويجد أن الصواب الذي فيها يأتي بتركيزهم على جانب مهم من حياة البشر، ولكنهم يغلون فيه ويهملون الجوانب الأخرى التي قد تكون أكثر أهمية؛ وذلك بسبب غياب الشمولية والتوازن التي لا ترى إلا بنور الوحي ولا تتحقق إلا في ظل الوحي؛ لأن البشر مهما وصلوا إليه من عقلانية وعلمية فهي تبقى بشرية محكومة ببشريتها وحدود إمكانيات منتجها، فمهما بلغت تبقى محكومة بهذه الحدود (١)، بل تسقط الإنسان في مرتبة بهيمية بعد أن كان الظن هو الارتقاء به، يقول طه عبد الرحمن: "ما أشد غفلة الإنسان حتى كأنه، على ظاهر تقدمه العلمي والتقني الهائل، إنسان


(١) انظر: مبحث الشمول في الفصل الأول من الباب الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>