للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهول! فهو يدعو إلى حقوق وحظوظ تخرجه من رتبة الإنسانية وتنزل به إلى درك البهيمية عندما يدعي العقلانية ويهمل الأخلاقية" (١)، ثم يقول بعد أن استعرض كثرة اضطرابهم في الأخلاق واختلافهم حول السبب: "فنقول بأن السبب في اضطراب المفاهيم الأخلاقية يرجع إلى كون الفلاسفة غلب عليهم الاشتغال بها من دون ردها إلى المجال الحقيقي الذي تنتسب إليه، بحيث بقيت، في تعاملهم معها، متزلزلة لا تثبت في معانيها، ومتأرجحة لا يستقر بها قرار، ومتذبذبة لا تقيم على حال. وليس هذا المجال المنسي الذي بدونه لا تسكن هذه المفاهيم ولا تثبت ولا تتمكن إلا مجال "الدينيات"؛ والدينيات الذي يجمع إلى عنصر "الإنسانيات" وعنصر "المعنويات" عنصرًا ثالثًا هو"الغيبيات"" (٢).

[٢] قصور المواقف الطبيعية يقوم "في ردها للقيمة واختزالها إلى نشاط طبيعي يخضع لحتمية صارمة تختلف نوعيتها باختلاف المواقف البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية. . . . تتفق مواقف الطبيعيين جميعًا على تحليل الفاعلية الإنسانية إلى عناصر بسيطة واختزالها إلى وحدة تجريبية يسهل إخضاعها لمقاييس المشاهدة والتجربة. وبذلك تتحول القيمة إلى مجرد واقعة علمية من بين وقائع أخرى تعينها الحتمية التي تشمل بنفوذها كل موضوعات العالم" (٣).

وتختلف مواقفهم باختلاف نوع الاختزال الذي يردون إليه الفاعلية الإنسانية:

البيولوجي: يردون القيم إلى القوانين التي تحكم الكيان العضوي، وأهمها قانون التطور وملحقاته الذي جاءت به الدارونية.


(١) سؤال الأخلاق .. ، د. طه عبد الرحمن ص ١٣.
(٢) سؤال الأخلاق .. ص ٢٥. وقد جعل كتابه في السعي لتأسيس الأخلاق على الدين ونقض كل المقولات الفلسفية الغربية الحديثة حول الأخلاق المعلمنة، قائلًا: (وقد جعلنا من الجمع بين الأخلاق والدين أصل الأصول الذي بنينا عليه، في الكتاب الذي بين يديك، مساهمتنا النقدية للحداثة الغربية. . . . .) [ص ٢٥ - ٢٦]، مع علمه بما يثيره عند المقلدة للغرب من نفور، مع أنهم يجيزون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، فينتقدون الأخلاق الدينية بواسطة الحداثة الغربية ويمنعون نقد الحداثة الغربية بواسطة الأخلاق الإِسلامية ص ٢٦.
(٣) نظرية نظرية القيم. . . .، قنصوه ص ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>