للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دخول النصرانية للغرب واحتواء لاهوتها على معارف علمية]

كانت الديانة النصرانية مضطهدة في أوروبا الوثنية أول تعرف الأوروبيين عليها، وقد كان الناس يدخلون أفواجًا في هذا الدين الجديد سرًّا بسبب الاضطهاد الوثني إلى أن انتشر أمرهم وكثر عددهم وقوي أمرهم؛ عندها قبلته السلطات السياسية واعتنقته، لكن ذلك وقع بعد أن انحرفت المسيحية كثيرًا عن دعوة نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام (١). وقد اعتمد هذا الانحراف من قبل مجامعهم التي يعقدها كبار رجال الدين النصراني، وكان أولها شهرة وأهمها وأخطرها هو مجمع نيقية سنه ٣٢٥ للميلاد، وهو المجمع الذي دعا إليه إمبراطور الرومان "قسطنطين" وذلك لمعالجة الخلاف بين النافين لألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام وبين المدعين لذلك، فأرسل قسطنطين إلى جميع البلدان طالبًا اجتماع البطاركة والأساقفة، فاجتمع منهم ألفان وثمانية وأربعون، وكانوا على عقائد مختلفة في الموضوع، فتناظر الجميع أمام الإمبراطور ولكنه جنح إلى بولس ومن على قوله وكانت عدتهم ثمانية عشر وثلاثمئة. ورغم قلتهم فقد انحاز الإمبراطور لهم في قولهم بتأليه المسيح، وأعطاهم السلطة الدينية في مملكته، ونصرهم على غيرهم، مع أن مخالفيهم كانوا نحو ألف وسبعمئة، إلا أنه مال لهؤلاء وربما هي من بقايا الوثنية التي عرفتها أوروبا. وبعد ذلك أمر بتحريق كل ما يخالف رأي هؤلاء من كتبٍ وتحريم قراءتها (٢). واستمرت المجامع اللاحقة في ترسيخ هذه الانحرافات، وكل مجمع يؤكد على ألوهية أحد المخلوقين إما عيسى أو أمه أو روح القدس، ومع كل مجمع يزداد فرض الانحراف بالقوة وتجريم المخالف، وتزداد سلطة الكنيسة يومًا بعد يوم. وقد بلغت الكنيسة مكانة عالية في عهد البابا "غريغوريوس" (١٠٧٣ - ١٠٨٥ م)، وأصبحت ذات سلطة سياسية وعسكرية فعلية تضارع سلطة الملوك والأباطرة (٣).

وتحولت المكانة التي حصلت عليها الكنيسة إلى طغيان يمارس على الجميع، وبسبب الانحراف الديني والخلقي عند رجال الكنيسة، فقد مورست


(١) انظر: محاضرات في النصرانية، محمَّد أبو زهرة ص ٣٢ - ٣٩.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١٢٠ - ١٣١.
(٣) انظر: العلمانية من منظور مختلف، د. عزيز العظمة ص ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>