المجتمع بأنها تدل على ما يضاد الدين أو يغير من حقائقه، فلابد من تحليل أثر "المدرسة الحديثة" المسؤولة عن تعلم هذه العلوم فنبحث طريقتها في التعامل مع هذه المشكلة.
[الفصل والانفصال: الفصل بين المجالين الديني والدنيوي، والانفصال عن هوية الأمة]
تبرز أولى المشاكل وضوحًا وأخطرها طوال دراسة هذه العلوم وهي مشكلة الفصل، فإذا تجاوزنا مشكلة الفشل في تحقيق استقلال معرفي في هذه العلوم إلى الآن فضلًا على المنافسة فيها، إذا تجاوزنا ذلك إلى إحدى المشاكل التي رافقت المدرسة من ولادتها وتكرّست مع الأيام فسنجدها واضحة في عملية الفصل بين العلوم العصرية وبين العلوم الشرعية، وما ترتب على ذلك مع الزمن من قطيعة وربما تصادم ما زلنا نعاني منه إلى اليوم (١).
وقد بدأ الفصل بينهما كعملية إدارية وفنية، ولكنه تحول فيما بعد إلى عملية ثقافية خطيرة، فقد وصل الأمر في بعض الأماكن وبعض الفترات التاريخية المعاصرة إلى إهمال العلوم الشرعية وانتقاصها ونسب ضعفنا وتخلفنا إليها، ومن ثم تقليص حجمها في التعليم وتقليص مكانتها في المجتمع، والاستهانة بقيمتها العلمية والعملية حتى في المجال الديني، وتقديم النظريات العلمية وما ينتسب للعلم على الأصول الدينية عند توهم التعارض وغير ذلك مما نتج عن عملية الفصل.
ربما كان للاحتكاك بالغرب وطلب العلم الحديث منه الأثر الأخطر؛ فقد كان الاحتكاك الأول بفرنسا، وهي التي نجحت فيها الثورة العلمانية، فخُصصت المدرسة للعلوم المادية الدنيوية والاجتماعية والإنسانية بشرط إخراج الدين منها ليتبع الكنيسة والأسرة، وقد تم تأسيس المدرسة العصرية في البلاد الإسلامية عبر الاستعانة بفرنسا، فنشأت تحت تأثيرهم بعلمانية مقنعة؛ لأن المدارس الأولى كانت معاهد للعلوم النافعة من طب وهندسة وما في بابها، وهي علوم تنفع صاحبها ولا تضر بدينه، ولكن وجد بعد ذلك أنه لابد من دراسة سابقة لعلوم
(١) انظر: غزو في الصميم، عبد الرحمن الميداني ص ٢٠٨.