للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى: "رياضية وطبيعية واجتماعية" فظهرت المدرسة التي تهتم بتحقيق الحد المطلوب منها، وكان أغلب مدرسيها آنذاك من الأجانب ومن غير المسلمين، وهؤلاء إن سلموا من قصد التأثير السلبي في المسلمين فلن يسلموا من اختراق العلمنة والمذاهب المادية الجديدة لأدمغتهم وأثر ذلك في هوية المدرسة التي يؤسسونها.

لقد أوجدت المدرسة الحديثة مشكلة الازدواجية عند الطالب والمجتمع المتعلم دون إرث تاريخي يمكن من خلاله فهم مشكلة وجود الازدواجية وتخفيف تبعاتها كما حدث مثلًا في فرنسا العلمانية في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، فهي ذات إرث في المشكلة تعود إلى القرن العاشر/ السادس عشر منذ الصراع المشهور بين نظرية الفلك الجديدة والمجتمع، أما في بلاد المسلمين فالأمر يختلف حيث أُقحمت العلوم الجديدة عبر المدرسة دون تصفيتها من جهة مما ليس علمًا ودون مواءمتها من جهة أخرى مع ثقافة المجتمع، فولدت الازدواجية والانفصال والانقسام بين تعليمين ومدرستين.

أصبح الطالب يتلقى صورتين عن العالم من حوله، صورة من مجتمعه عبر الوسائل التقليدية وصورة من المدرسة الأجنبية، قيمٌ من هنا وقيمٌ من هناك، حقائق من هنا وحقائق من هناك، وحتى عندما أُدخلت مواد من تراثنا وعلومنا، فهي لم تدخل دائمًا بقناعة تامة بها بقدر ما كانت تحت ظروف سياسية، والدليل على ذلك تلك المعاناة (١) التي تلحق بها عادة من تقليص حجم وقتها ووضعها في أوقات غير عملية وعدم العناية بمناهجها ومدرسيها مقارنة بمواد العلوم الأخرى.

لم تؤخذ العلوم الجديدة وتدرس بروح التكامل مع علوم الأمة، بدأ الفصل فنيًا بين علوم الدين وعلوم الدنيا، ولكنه تحول إلى تقسيم ثقافي واجتماعي، وإلا فالمسلم لا يعرف هذه القسمة في أثناء التطبيق؛ لأن كل علم نافع يدخل عنده في طلب الأجر وقصد الآخرة وابتغاء وجه الله سبحانه، فهو وسيلة للفهم والانتفاع، ولكن المدرسة العصرية فصلت بينهما فصلًا يتجاوز العمل الفني ليرسخ عند الطالب والمجتمع قضايا أخرى، فتحول الفصل من فني إلى الفصل


(١) انظر حول هذه المعاناة: واقعنا المعاصر، محمد قطب ص ٢١٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>