بين عالمين مستقلين وربما متصادمين مما يجعل الطالب مجبرًا على الاختيار إما هذا أو هذا، وتقديم أحدهما على الآخر. وهذا التقسيم هو السائد إلى الآن بما يوحي به من خلفيات، فنجد مثلًا التقسيم في المدرسة بين "علمي وأدبي" ويدخل في العلمي مواد العلوم المختلفة من رياضية وطبيعية واجتماعية، بينما الأدبي يدخل فيها الدين واللغة، وهناك كليات العلوم والكليات العلمية وهناك الكليات الأدبية، وترسّخ في وعي الأفراد والمجتمع ما هو أوسع من التقسيم الفني: ترسخت أمور على مستوى التصور ومستوى النفع، ففي مستوى التصور -وهو المهم للبحث- نجد المسائل العلمية تقبل دون جدال حتى وإن كانت من باب الفرضيات والنظريات بينما الدينية لا تؤخذ بمثل تلك الروح، وفي مستوى الانتفاع يعدّ الدارس في الكليات العلمية من المحظوظين، ويتميز بقبول اجتماعي وتجده مفتخرًا بهذا المكان، والمستقبل الوظيفي واعد بخلاف الدارس لعلوم الأمة، مع أن العلم في المجال الإسلامي لا يعرف هذه القسمة، فكل علم صحيح ونافع تقبله الأمة ويصبح جزءًا من العلم الممدوح والمطلوب، ويمدح صاحبه، ولكن المدرسة بسبب ولادتها الخاطئة قد فصمت هذه العلاقة الحسنة بين المجالين وقدمت أحدهما على الآخر.
قد يعتذر البعض للمدرسة الحديثة بأنها ولدت في ظروف صعبة، ولكن السؤال: لِمَ أُبقي على هذه المشاكل كل هذه السنين؟ هل المراد بقاء المشكلة دون حل ليبقى التوتر، أم أن الحل كان عسيرًا على أمتنا كل هذه السنين؟ الأقرب مع "المدرسة الأجنبية" ثم "الاستعمار" ثم "أحزاب تغريبية تولت السلطة وإدارة التعليم" أن الهدف كان إبقاء المشكلة قصد إبعاد العلوم الإسلامية، علينا فقط مراجعة دور الاستعمار في مصر أو بلاد المغرب أو الشام، أو مراجعة الأحزاب العلمانية، مثل:"تركيا الفتاة" و"جماعة الاتحاد والترقي" التي وصلت للسلطة في مقر الخلافة، وعند مراجعة هذه الأحوال وأشباهها نعلم بأن المدرسة حُرمت من الحل الإسلامي قصد تغريب المجتمع عبر أهم المؤسسات الاجتماعية وهي "المدرسة"(١).
(١) انظر: حاضر العالم الإسلامي. . . .، د. جميل المصري ١/ ١٩٤ وما بعدها، وانظر: واقعنا المعاصر، محمد قطب ص ٢١٧ وما بعدها.