للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتعايش المؤقت بين الماديين ومعارضيهم؛ ولذا تجد أحيانًا من يُعرف بأنه فيلسوف مادي على مستوى الفكر والمنهج، ولكنه مؤمن؛ أي: يقرّ فقط بالتأليه السببي؛ لأنه لا يمكن إيجاد مادة وحركة دون علّة أولى تسببت في ذلك، ومع ذلك فإن المادية لن ترضى بمثل هذا المكسب دون أن يتحقق الهدف الأعلى "الإلحاد" وبسند مزعوم من العلم.

[٢ - ظاهرة الحياة في الأحياء]

رغم نجاح اليسار الهيجلي الخبيث، لاسيّما "فيورباخ"، في دعم الإلحاد والقول بأبدية الطبيعة وأبدية عملها؛ إلا أن من بين المسائل المستعصية التي تقابلهم فوق المسألة السابقة -كيف وجد العالم المادي؟ - المسألة التالية: هي كيف -إذًا- خرجت الحياة من المادة؟ فإذا كانت المادة لها قوانينها التي تتحرك وفقها؛ فإن خروج الحياة منها أمر لم يصدقه أحد، إلى أن جاء أهم دعم للمادية من المجال العلمي ممثلًا في نظرية داروين. ورغم اتفاق الكثير بأن هذه النظرية تحوي في المستوى العلمي كثيرًا من الثغرات؛ إلا أن الجوّ المادي في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر كان مهيأً لقبول أي شيء يدعم المادية، فهو قرن "الطبيعة" كما يقال الذي انتقل فيه المجتمع الغربي من عصر العقل والتنوير في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر إلى عصر الطبيعة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر (١)، ومصطلح "الطبيعة" مصطلح مهذب للمادية القصد منه تخفيف شناعة مصطلح المادية وتيسير قبوله (٢). فانتشرت الدارونية بشكل ملفت، وكما وجد الماديون في فيزياء نيوتن مدخلًا للاستغلال الخبيث للقول بمادية الكون ونفي أي تدبير غيبي له؛ فقد وجدوا أيضًا في نظرية داروين الحل الأمثل لمادية الحياة ذاتها، أيضًا دعم داروين المادية بعنصر آخر أخرج المادية من تلك الصورة الثابتة التي رسمها كل الماديين قبل داروين لماديتهم ذات الوجه الواحد الكالح الثابت، فأخذوا من داروين فكرة التطور وجمّلوا بها ماديتهم، لتصبح مادية وفي الوقت نفسه تطورية، وظهرت في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر صور من المادية منها: صورة تقليدية وكان من ممثليها عالم الكيمياء "دالتون"، ومادية تطورية أدخلت مفهوم التطور على المادية، مثل:


(١) انظر: مذاهب فكرية معاصرة، محمَّد قطب ص ٥٢٤.
(٢) انظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، المسيري ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>