للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لامارك" و"سان هيلير" و"داروين" و"هكسلي" و"سبنسر" و"هيكل" وغيرهم (١)، وكان أشهرهم "داروين" ثم من بعده مدرسته "الدارونية الاجتماعية". وقد تحمس لهذه الدارونية المذهب المادي الجديد "الماركسي" وأدخلها كسند علمي لماديته. ومع أن ما أظهره الماديون هو غير الحقيقة؛ لأنهم أظهروا أثر الدارونية في إجابتها عن مصدر الحياة المادي مع إضافة مفهوم التطور عليها، لكن التساؤلات المحيرة عادت من جديد وبشكل أشدّ وأعمق: فإن المتسائلين يقولون للماديين: أنتم لم تحلّوا مشكلة كيف وجدت المادة بقوانينها؟ وإذا كانت القوانين تفسر حركة المادة الجامدة فمن يفسر لنا هذا التطور؟ من المحرك لعمليات التطور المعقدة التي يذكرها مثلًا علماء التطور؟ وكيف خرجت الحياة من مادة ميّتة؟.

عندما وجد الماديون مدخلًا لهم في علم آخر يتعلق بالكائنات الحية، انتقلوا إليه أيضًا من أجل تحويله بما يخدم ماديتهم، لاسيّما واحد أهم أعلامه يميل ميلًا واضحًا للمذهب المادي، ليضعوا أيديهم من البداية على هذا العلم الجديد. ولا يختلف الماديون الماركسيون عن الماديين الوضعيين، وهو أمر يجعل بيان موقف أحدهما يكفي عن عرض الآخر.

نجد في كتاب "فريدريك إنجلس" "ديالكتيك الطبيعة" عرضًا موسعًا لهذا الانحراف بالعلم تحت مسمى تطور الطبيعة التاريخي، نعرضه من خلال عرض أتباعه في كتاب: "موجز تاريخ الفلسفة"، لنرى صور هذا الاستغلال الخبيث وأثره في تشويه صورة العلم وتوظيفه فيما ليس من بابه.

عندما ظهر كتاب "داروين" "أصل الأنواع" (١٨٥٩ م)؛ بدأت فكرة التطور تتغلغل في أذهان العلماء والمفكرين، ولكن وبحسب أصحاب كتاب الموجز جاء مفهوم التطور عند العلماء والمفكرين ناقصًا بل مشوّهًا أحيانًا؛ والسبب في ذلك أن التساؤل الذي أسلفناه ما زال يتكرر وُيحلّ بالحلول القديمة نفسها "فأسباب تطور الطبيعة التاريخي ومصدر هذا التطور بقيت، عند اللاهوتيين والفلاسفة المثاليين والمتعاطفين معهم من علماء الطبيعة، قابعة في الظل، أو فسرت بالاستناد إلى "الدفعة الأولى" (٢)، وهو ما يطلقون عليه "التأليه السببي". ولكن


(١) انظر: مقدمة في علم الاستغراب، حسن حنفي ص ٢٧٩.
(٢) موجز تاريخ الفلسفة ص ٤٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>