للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماديين سيجدون الحل المزعوم في "المادية الجدلية" (الديالكتيكية)؛ فهي مادية؛ لأنه لا يوجد إلا المادة، ولكن حركتها جدلية، مما يفسر عمليات التطور بخلاف التفسير المادي القديم القائل بحركة سرمدية واحدية.

وبالادعاءات نفسها سيعالجون قضية خروج الحياة من المادة والتطور اللاحق بها من حياة محدودة في خلية إلى أن بلغت ذروتها في صورتها المعقدة في الإنسان، فيقولون عن إنجلز: بعد ظهور نظرية التطور ثابر المثاليون واللاهوتيون "على التأكيد بأن الكائنات الحية مخلوقة كلها للإله، الذي نفخ "قوة الحياة" في المادة العاطلة، الخاملة" (١)، وتدعمت آراء المثاليين واللاهوتيين بتجارب "باستور" التي دحضت مزاعم الماديين، فاستخدمها المثاليون كما يقول "إنجلز" في صراعهم ضد فكرة التولد الذاتي الكيميائي للحياة، حتى إن بعض الماديين حرصًا منه على سلامة المادية قال بفكرة أن الحياة أُدخلت على كوكبنا من الفضاء الكوني، أما "إنجلز" فكان يرى بأن حلّها هو في المادة ذاتها وسنكشف يومًا ما عن طريق علم الكيمياء لغز الحياة، وأنها انبثقت من المادة دون الحاجة لتدخل خارجي، وقوانين الجدل المادية تغنينا بزعمه عن التأليه السببي والقول بالدفعة الأولى الإلهية وغيرها (٢).

ولم يكتف "إنجلز" بهذا، بل قام -وكأنه عالم منغمس في مختبراته وبحوثه- بعرض آخر لنظرية التطور الدارونية حول ظهور الإنسان لكي تتوافق مع "المادية الماركسية" تحت عنوان: "دور العمل في تحول القرد إلى إنسان" (٣)، ساردًا خطًا جديدًا من الخلية إلى الإنسان، وبصورة سخيفة ودعائية يقول أصحاب "الموجز" عن هذه المقالة بأنها: "من أهم إسهامات إنجلس في بناء صرح النظرية الديالكتيكية عن تطور الطبيعة" (٤)، فيتحول "إنجلز" من مؤسس لمذهب فكري إلى أحد العلماء الكبار، وإن لم يدخل معاملهم ومختبراتهم ولم يمارس بحوثهم واستقراءاتهم ويعمل تجاربهم.


(١) انظر: تاريخ الفلسفة ص ٤٥٥.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٤٥٥ - ٤٥٧.
(٣) انظر: ديالكتيك الطبيعة، فريدريك إنجلس ص ١٦٣، ترجمة توفيق سلوم.
(٤) موجز تاريخ الفلسفة ص ٤٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>