للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أثناء ظهورها. ثم جاء بعدهما عالم آخر "نيلز بور" فشرح كيف تمتص الذرات الطاقة وكيف تشعها. وبعد جهود مختلفة أنشأ فيزيائيان أوروبيان نظامين متكافئين يحويان في صياغة رياضية واضحة كل الفيزياء الكمية السابقة، لتصبح فيما بعد حقلًا معروفًا باسم ميكانيكا الكم (١)، وأصبح موضوع نظرية الكم أو الكوانتم الأساسي هو "عالم الذرة واكتشاف مزيد عن تركيبها وحركاتها وما بها من طاقة وإشعاع" (٢).

واتجه علماء الفيزياء بعد هذه الاكتشافات ومن يستفيد من علمهم في مسارين: فقسم يدرس العالم الكبير، عالم الكون الواسع، هل الكون منبسط أم كروي، وهل هو ممتد إلى ما لا نهاية أم له نهاية، وهل له بداية زمانية ونهاية زمانية، وما طبيعته، وما صورة حركته ونشاطه، وهؤلاء يتحركون في ضوء النظرية الأولى وهي نظرية النسبية لاسيّما النسبية العامة. وقسم يدرس العالم الصغير في حجمه، الكبير في حركته وطاقته، والمذهل بعجائبه، وهو عالم الذرة، ما حقيقتها وما مكوناتها، وما طبيعة الطاقة الداخلة إليها أو الخارجة منها، وما القوانين الموضحة لذلك؟ وهؤلاء يتحركون في ضوء النظرية الثانية نظرية الكم أو الكوانتم.

وكما أنه قد كان ما كان من آثار للنسبية في تيارات العصر، ونالت شهرة أكثر من غيرها، فإنه أيضًا قد كان لنظرية الكوانتم آثارها أيضًا لاسيّما وهي تتعلق بفرض طالما أثر افتراضه في تاريخ الفكر البشري، وسبّب دوامات هائلة في كل ثقافة دخل إليها، فهل يعقل أن يظهر من جديد في ثوب العلم دون أن يحدث أثرًا! هذا ما ستلقي عليه الأسطر القادمة بعض الضوء، وبالله التوفيق.

[٢ - من آثار النظرية]

توجد نقاط مشتركة بين النظرية النسبية ونظرية الكم في علاقتهما بتيارات العصر، فبالرغم من اختلافهما من الوجهة العلمية البحتة إلا أن التأويلات الفلسفية والميتافيزيقية لهما متشابهة في كثير من الوجوه (٣). وقد ذكرتُ بعض ما


(١) الموسوعة العربية العالمية ١٧/ ٦٦٠، وانظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٣٦٥ - ٣٨٣، وانظر: درس الإبستمولوجيا، عبد السلام وصاحبه ص ١٨٦ وما بعدها.
(٢) من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ١٩.
(٣) انظر: فلسفة العلم. الصلة بين العلم والفلسفة، فيليب فرانك، ترجمة د. علي ناصف ص ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>